تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ضَبْحُ الْعَادِيَاتْ فِي الْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الَعِلْمِ إِلَى الْمَمَاتْ

ـ[هشام الهاشمي]ــــــــ[10 - 01 - 08, 05:51 م]ـ

http://www.dabh.ch/images/dabh_book.gif

مقدمة الكتاب .. الطبعة الأولى

الحمد للَّه الذي جمل أهل العلم بالوقار والهيبة، وزينهم بزينة الإيمان شباناً وشيبا، وصلى اللَّه وسلم على نبيه؛ مابقيت غصون علومهم غضة، دانية ظلالها قريبة. أما بعد:

فاعلم؛ أخي طالب العلم أيقظ اللَّه للعلم همتك، وأخذ إليه ناصيتك، وأدام فيه رغبتك، وأنار به بصيرتك؛ أن العلم ما حازه من حازه؛ بمحض إرادته، وقوة عضلته، وتوقد قريحته؛ وإنما بإرادة اللَّه، وسابق فضله ومنته، حيث قيض اللَّه له في صغره ـ وهو لا يفرق بين التمرة والجمرة ـ من أخذ بيده إليه، وحثه عليه، فألزمه طلابه، وفتح له أبوابه، وسلك به أسبابه؛ فتدرج في سلم التعلم، مُذْ بدأ النطق، والتكلم (1).

لا يستوي صغر التعليم مع كبر

فاللين في الغصن ليس اللين في الحطب

حتى صار إلى ما صار إليه من الإمامة، وبعد المكانة، قد أدرج اللَّه النبوة بين جنبيه؛ بيد أنه لا يوحى إليه (!).

فضربت إليه من الإبل الآباط، وحملت علمه الركبان إلى الآفاق، وازدحم عليه الطلاب حتى التفت عنده الساق بالساق.

قال جعفر بن درستويه: ((كنا نأخذ المجلس في مجلس علي بن المديني وقت العصر، اليوم لمجلس غد، فنقعد طول الليل، مخافة ألا نلحق من الغد موضعاً نسمع فيه، فرأيت شيخاً في المجلس يبول في طيلسانه (!) ويدرج الطيلسان، مخافة أن يؤخذ مكانه إن قام للبول)) (2).

من وجد ذلك فليحمد اللّه، ومن لم يجد فليشمر عن ساق الجد ليجد، فما نيل المطالب بالتمني، ولا التأني؛ ((فما بالبطء تدرك ما طلبتا)).

إنه العلم؛ وما أدراك ما العلم (؟!) إنه أصعب شيء أنت نائله (!) فجرع النفس مضض تحصيله، ومُرَّ تأصيله؛ فإنه لا يتأتى براحة الجسم.

قال المطهر بن طاهر المقدسي: ((. . . ويأبى العلم أن يضع كنفه أو يخفض جناحه أو يسفر عن وجه إلا لمتجرد له بكليته، ومتوفر عليه بأينيته، معان بالقريحة الثاقبة، والروية الصافية، مقترناً به التأييد والتسديد، قد شمر ذيله، وأسهر ليله، حليف النصب، ضجيع التعب، يأخذ مأخذه متدرجاً، ويتلقاه متطرقاً، لا يظلم العلم بالتعسف والاقتحام ولا يخبط فيه خبط العشواء في الظلام.

ومع هجران عادة الشر، والنزوع عن نزاع الطبع، ومجانبة الإلف، ونبذ المحاكلة واللجاجة، وإجالة الراعي عن غموض الحق، والتأتي بلطيف المأتى، وتوفيقه النظر حقه من التمييز بين المشتبه والمتضح، والتفريق بين التمويه والتحقيق، والوقوف عند مبلغ العقول؛ فعند ذلك إصابة المراد، ومصادفة المرتاد، وباللَّه التوفيق والرشاد)) (3).اهـ

واعلم؛ حاطك الله أنه: ((كلما بعد همك، كلما زاد عذابك))، وربا اضطرابك، حتى ينتفخ منك السَّحْرُ، ويزيغ البصر، وتظن بالعلم الظنون:

فـ: لا تسئ بالعلم ظناً يا فتى

إن سوء الظن بالعلم عطب

((فالنبالة ونباهة الذكر)((وانبساط الجاه))، يحتاج منك مزيد جهد فوق الذي عندك؛ فإن لم يكن لك من الإيمان، والرغبة في اللَّه ما يبعث في رُوْعِكَ هذا المزيد؛ فلا تنتظر من أحد أن يَمُنَّ عليك بجهده تسعى به، أوكعبه تعلو به .. هيهات .. أنى ذلك، و ((الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)) (4).

وسينالك لعمر إلهك في طريق المعالي من الألم الكثير، فذو الطموحات العريضة البعيدة يجد من المضض في سبيل ذلك أضعاف ما يظن، ويحتسب.

لكل ذي همة في دهره أمل

وكل ذي أمل في الدهر ذو ألم

أم حسبت أن ((يكسوك العلم ثوبه))، ويوردك حوضه؛ من غير أن يَمُضَّكَ مَضّاً، ويصليك في طلبه لظى (!).

لا يمتطي المجد من لا يركب الخطرا

ولا ينال العلا من قدم الحذرا

ومن أراد العلا عفواً بلا تعب

قضى ولم يقض من إدراكها وطرا

((فلن تنال العلم حتى تحلب الدهر أشطره؛ بهمة، لا وان، ولا وصب)).

فكن كبير النفس، عالي الهمة.

والجأ إلى اللَّه في أمر تحاوله

وابرأ إلى اللَّه من حول ومن حيل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير