تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويوافقهم في هذا جميع المتمسكين بهدي السلف وآثارهم ممن يقول كشيخ الإسلام ابن تيمية (اللهم بجاه فلان عندك أو ببركة فلان أو بحرمة فلان عندك افعل بي كذا وكذا، فهذا يفعله كثير من الناس لكن لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين وسلف الأمة أنهم كان يدعون بمثل هذا الدعاء) وقد يظن بعض من لا نصيب له من التحقيق - وبعض الظن إثم - أن هؤلاء ينكرون حرمة الرسل وجاههم وكرامتهم على ربهم في حياتهم أو بعد وفاتهم، مع أن ثبوت الجاه لهم وارد في القرآن، قال تعالى في حق موسى عليه السلام: {وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً} (الأحزاب: 69) وقال في حق عيسى عليه السلام: {وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} (آل عمران: 45).

قال شيخ الإسلام في كتاب التوسل: فإذا كان موسى وعيسى وجيهين عند الله عز وجل فكيف بسيد ولد آدم، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، وصاحب الكوثر والحوض المورود الذي آنيته عدد نجوم السماء وماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا، وهو صاحب الشفاعة يوم القيامة حين يتأخر عنها آدم وأولو العزم نوح و إبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله عليهم أجمعين، ويتقدم هو إليها، وهو صاحب اللواء، آدم ومن دونه تحت لوائه، وهو سيد ولد آدم وأكرمهم على ربه عز وجل وهو إمام الأنبياء إذا اجتمعوا وخطيبهم إذا وفدوا، ذو الجاه العظيم صلى الله عليه وسلم وعلى آله؛ ولكن جاه المخلوق عند الخالق ليس كجاه المخلوق عند المخلوق؛ فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَداًّ} (مريم: 93 - 94) وقال تعالى: {لَن يَسْتَنكِفَ المَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلَّهِ وَلاَ المَلائِكَةُ المُقَرَّبُونَ} (النساء: 172) الآية، والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه فهو شريك له في حصول المطلوب والله تعالى لا شريك له لما قال سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ} (سبأ: 22 - 23) اهـ.

فقد علمت من هذا أنه ليس الخلاف في جاه الرسل الثابت لهم عند ربهم والذي لا يزايلهم ولا ينفك عنهم أبدًا، بل هو في مزيد عنده تعالى يرفعهم به أعلى الدرجات، فكيف بسيد ولد آدم وروحي له الفداء صلى الله عليه وسلم؛ وإنما اخلاف في فهم المراد من التوسل بالجاه أو الحرمة أو الحق، وهل جعله الله سببًا شرعيًّا في إجابة الدعوات؛ فإن كان المراد منه معنى يرجع إلى أفعاله تعالى وصفاته كاصطفائهم واجتبائهم وما وعدهم به تعالى من النصر والتمكين ورفع الدرجات في الحياة الدنيا وفي الآخرة فبه نقول ونحن متفقون.

بيد أن ههنا مسألة مهمة، وهي أن حقوق الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وصلاح الصالحين، ليست من أعمال السائل التي يستحق عليها الجزاء، ولا رابطة بينها وبين إجابة سؤاله، فإذا قال الداعي أسألك بحق فلان الصالح أن تقضي حاجتي، فمعنى ذلك اقض حاجتي لكون فلان صالحًا، فأي مناسبة بين قضاء حاجتك وصلاحه، وإذا قلت بجاه فلان اغفر لي، كان المعنى: أطلب المغفرة لكون فلان ذا جاه، وأي ملازمة بين جاهه ومغفرة ذنبك؟ فصلاحه أو جاهه ليس منفيًّا عنه لا في حياته ولا بعد مماته، ولا هو محل نزاع؛ ولكنه ليس من عملك الذي تستفيد أنت منه، وتستحق الجزاء عليه؛ وإنما العامل هو الذي يجنى ثمرة عمله في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا َعْمَلُونَ} (النحل: 97)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير