تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإنّ المذْهب المالكي أول مذهب من المذاهب دُوِّنَ و نُقِّحَ،، و تصدَّت عُلماؤه لضبط العلم،، و إرساء قواعده،، و إيضاح مشكلاته،، وتبسيط عويصه،، لإفتاء الناس و حلِّ مشاكلهم،، و الإجابة عن نوازلهم،، حيث تولّى الإمام مالك –رحمه الله تعالى- تأليف كتابه المعروف (الموطّأ)،، فكانت إحدى اللبنات الأولى و الأساسات الراسية لتدوين علوم الحديث و ضبطها،، و استخراج الأحكام الفقهية منها،، و بلغ من العلم مبلغا نال به عند العلماء الأعلام و الخلفاء العظام تلك المنزلة العالية التي دوَّنها التاريخ العلمي الفقهي بكلِّ مجد و افتخار،، و حفظ الله له بذلك المكان في قلوب عباده الصالحين و المنصفين من العلماء العاملين،، فاقتدوا به و ردّدوا كلامه و حكمه و مواقفه الخالدة و فتاويه المستنيرة بالكتاب و السنة و عمل صالحي الأمة،، و هكذا نهج كبار تلامذته نهجه،، و نسجوا على منواله،، و اتخذتهم الأمة أساتذة موفقين،، و حملة دين مسدّدين،، فنبع من خلال تدريسهم و جمعهم و تأليفهم علم صالح،، و فقه خالص،، نفع الله به البلاد و العباد،، و عصمهم الله بذلك من التردّي في كثير مما تلطّخ به غيرهم من العقائد الفاسدة،، أو العبادات المبتدعة،، و المسالك المنافية للعقل و الدين و هدي خير المرسلين –صلى الله عليه وسلم-،، و ظل الأمر على ذلك حتّى تعددت المذاهب الفقهية،، و كثرت المؤلفات المختصرة و الموسوعية،، التي يتعلّم الناس منها أحكام دينهم في العبادات و المعاملات،، و فضّ الخصومات و المنازعات،، جمْعًا للفروع و الفتاوى و الاستنباطات المختلفة،، فكان للمذهب المالكي من ذلك الصدارة و الجدارة التي يُرجع إليها،، حتى عند علماء المذاهب الفقهية الأخرى،،

و على مرّ العصور،، أثرى هؤلاء الجهابذة المكتبة الفقهية الإسلامية بمؤلفات رائدة،، حظيت بالقبول لدى العامة و الخاصة،، و تلقّاها العلماء و الفقهاء و القضاة،، وقدْ قيّض الله لجُهْدِ هؤلاء من يُخرج مكنونات علمهم من خزائن المخطوطات و ظلامها،، إلى نور المطبوعات تيسيرًا للمسلمين،، و تسهيلاً لهم لينتفع به العوامّ و الخواصّ،، و يتعلّموا منه أحكام دينهم و دنياهم،، و هكذا فلا يزال في هذه الأمة من يُحبّ تراثها،، و يحيي مُنتجاتها،، و يبذل فيها الوقت و المال و الفكر و العقل،، من أجل وضعها في متناول أهل العلم و طلابه،، و الحمد لله على ذلك أولاً و أخيرًا،،

و من كنوز هذا التراث الفقهي الثمين،، أخرجنا كتابنا هذا،، كتابَ التوضيح للإمام خليل بن إسحاق الجندي المالكي –رحمه الله-،، الذي هو شرحٌ و توضيحٌ لمختصر جامع الأمهات لجمال الدين ابن الحاجب،، و هو كتاب شهير وضع الله عليه القبول،، و اعتمده الناس،، و هو أكثر شروح جامع الأمهات فروعًا و فوائدَ،، هكذا قال عنه الحطاب في (مواهب الجليل)،، و قال عنه ابن فرحون في الدّيباج: ((ألّف –أيْ الشيخ خليل- شرحَ جامع الأمهات و شَرَحَهُ شرْحًا حسنًا،، وضع الله عليه القبول و عكف الناس على تحصيله و مطالعته،، و سماه التوضيح)) ا. هـ

و في مسيرة التأليف و التدوين في الفقه المالكي التي ابتدأت بالمدونة، وَرِثَ كتابُ التّوْضيح –لتميّزه و جمعه لشروح مختصر جامع الأمهات- مكانةً خاصةً،، رجع إليه كلّ ذلك القبول،، و استأثر باهتمام العلماء و الدّارسين،، و اقتصر المالكية –خاصة المغاربة و المصريين- عليه،، و صار عمدة التدريس و الإفتاء مع مختصر خليل –و الذي يبدو و الله أعلم أنه إنما اختُصر من التوضيح نفسه-،، و يبيّن مدى شغف الطلاب و العلماء بهذا الكتاب تلك الأبيات الطريفة التي نظمها الفقيه الديب صاحب النظم الشهير ابن عاشر،، و التي وقفنا عليها في طرّة إحدى المخطوطات التي بيْن أيدينا:

خَلِيلِي خَلِيلٌ قَدْ شُغِفْتُ بِحُبِّهِ ... وَ تَوْضِيحُهُ صُبْحًا يُزَيِّنْهُ حَاجِبُهْ

وَ آلَيْتُ لاَ آلُوهُ لِغَامِضٍ ... مِنَ الوِدِّ يَرْضَاهُ خَلِيلٌ وَ حَاجِبُهْ

و بين يدي هذا الكتاب و كتوطئةٍ لا غنى عنها للباحثِ و طالبِ العلم،، نقدّم ترجمة للإمام مالك،، و تعريفًا للمالكية،، و نُبَذًا من خصائص مذهبهم العريق،، ثمّ نورد ترجمةً لابن الحاجب صاحب المختصر،، مع تعريفٍ بمختصره (جامع الأمهات)،، دون أن نُغفل ترجمة المؤلّف،، مع تصديرنا لذلك بكلمة موجزة عن منهجية العمل في إخراج الكتاب و مخطوطاته،، و واقع ذي صلة بذلك لم نستَطِعْ تناسيه،، ملتزمين في ذلك كلِّه سبيل الإيجاز و الاختصار تجنّبًا للتطويل،، و إدراكًا أنَّ الكلام في مثل هذا الباب طويلُ الذَّيْلِ،، عميقُ السَّيْلِ،،

المرفقات: قمتُ بإرفاق تزكيات أهل العلم لهذا التحقيق،، كما قمت برفع ملف من مقدمة المحقق في ذكر خصائص المذهب المالكي،، و أهملت رفع ترجمة الإمام مالك و العلامة ابن الحاجب و العلامة خليل،،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير