تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تعلمت من قوائم الكتب]

ـ[محمد مبروك عبدالله]ــــــــ[28 - 08 - 09, 04:17 م]ـ

في معرض ذكرياته عن المراحل الأولى في تاريخ حياته ذكر الأستاذ أنور الجندي العوامل التي ساعدته في التعرف على الحياة الأدبية الفكرية في العصر الحديث وعملت على تكوين ثقافته الموسوعية التي عرف بها، من تلك العوامل التي ذكرها قوائم الكتب وهي عباره عن عرض موجز أو ما يشبه المستخلص للكتاب وتقوم دور النشر بتوزيعها مجانا للإعلان عن الكتب الجديدة المعروضة للبيع ليسهل على القراء التعرف على محتوى الكتب قبل شرائها.

وقد نقلت لكم الموضوع كاملا من أحد مؤلفاته* تحت هذا العنوان:

[تعلمت من قوائم الكتب]

"من ألطف ما كان يلفت النظر في سن السابعة عشرة لجيلنا سطر صغير في الصحف، يكمن في اسم مكتبة من المكتبات وقد كتب تحته "ترسل قائمة المكتبة مجاناً لمن يطلبها" إذن فليس هناك بيني وبين الحصول على كتاب ضخم في أربعمائة صفحة من أن أرسل خطاباً في البريد يحقق لي هذا الأمل. وما دام الريف لا يقدم لنا إلا تلك الخزائن التي تحوي الكتب الصفراء ولم نكن نعرف قيمتها وما فيها من جواهر وذخائر هي سر عظمة أمتنا وخلاصة

فكرها، وبعد أيام قليلة يرد البريد إلى قريتنا وفيه هذا الكتاب الضخم "قائمة مكتبة". وقد أصبحت عادة، ما أن تعلن مكتبة عن نفسها حتى نسارع بالإرسال طالبين القائمة.ومن حق، لقد كانت مطالعة هذه القائمة في هذه السن في الثلاثينيات من هذا القرن متعة لا حد لها. وهي عوض مسعد عن مطالعة هذه الكتب أو رؤيتها في رفوفها الزجاجية بألوانها الخلابة وأغلفتها المنوعة.

كانت هذه القوائم تبدأ دائماً بالتعريف بالمكتبة وحسن معاملتها واستعدادها لتلبية رغبات عملائها، محددة أسعار العملة وطريقة التحويل وخصم الجملة للمكتبات والدارس وطلبات الجملة. وهناك نص أساسي هو أن جميع الطلبات يجب أن تكون مصحوبة بعربون لا يقل عن ثلث الثمن.

وكانت هذه القوائم مقسمة إلى أبواب تبدأ بالقرآن الكريم وبعات المصاحف المختلفة على الورق الأبيض والورق الأصفر، والمجلدة تجليداً مذهباً وتجليداً عادياً، والأحجام الكبيرة والأحجام المتوسطة والصغيرة، ثم يليها كتب التفسير والحديث النبوي والفقه ثم التصوف والزهد والعقائد والمواعظ، ثم يلي ذلك التاريخ والسير والتراجم ودواوين الشعر واللغة بقواميسها العربية ومعاجمها ثم دوائر المعارف والموسوعات والقصص، والفلك والرياضيات، والهندسة، والزراعة، والمنطق، والاجتماع، والأخلاق، والعلوم، ثم التربية، وعلم النفس، والمحاسبة، والاقتصاد.

وكان يلفت نظري بوجه خاص كتب التراجم والسير والتاريخ ثم كتب الأدب، وأتمزز ببطء تلك السطور القليلة المكتوبة تحت اسم كل كتاب، تصف مضمونه وما يحويه من أبواب وفنون، وكنت أعاود قراءة هذه الكلمات بين حين وحين، رغبة في الحصول علي أكبر قدر من المعلومات التي عجزت عن الحصول عليها بقراءة الكتاب نفسه.

ومن الحق أن هذه القوائم وأنا لازلت طالباً في أول الشوط، قد أمدتني بكثير من المعلومات العامة إن لم تكن عميقة فإنها على الأقل متسعة تتصل بفنون مختلفة من الثقافة العربية والفكر الإسلامي العريق. وإذا كان لي أن أحدد اليوم - وبعد حوالي أربعين عاماً – الانطباع الأساسي الذي انعكس من بعد علي كتاباتي وإنتاجي، فإنني أقول بحق أن الإدمان علي قراءة قوائم الكتب في مطالع الصبا قد أعطاني طابع التكامل والشمول في مجال الثقافة والفكر، فلم يعد تقديري قائماً علي لون واحد هو"الأدب" ولكني أصبحت أحس بأن الأدب ليس إلا قطاعاً من الفكر العربي الإسلامي الواسع الآفاق الذي يضم الاجتماع والاقتصاد، والسياسة، والدين، والأدب، والعلم، والتربية، والفن، والأخلاق، وأن هذه القطاعات كلها لا يمكن أن تدرس في الفكر الإسلامي والثقافة العربية منفصلة أو مجزأة، ولكنها تتكامل وتتداخل ولا يأتي التخصص فيها إلا في المراحل العليا، أما القيم الأساسية فيها فإنها تمثل كياناً متكاملاً يدور حول الإنسان والكون والمجتمع ويحاول أن يحقق له العدل والحرية، وتلك عظمة الفكر الإسلامي العربي في تكامله حيث يشمل قطاعي الثقافة الإنساني: الروح والمادة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير