وكان صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، وذلك من أجل التركيز والانقطاع الكلي لمناجاة الله عز وجل، ففي الحديث عن عائشة أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمرّ بالمريض وهو معتكف، فيمرّ كما هو ولا يُعرِّج يسأل عنه) وأيضا عن عروة أنها قالت: (السنّة على المعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) رواه أبو داود/ 2/ 333.
وكان أزواجه صلى الله عليه وسلم يزرْنه في معتكفه، وحدث أنه خرج ليوصل إحداهن إلى منزلها، وكان ذلك لحاجة إذ كان الوقت ليلاً، وذلك كما جاء في الحديث عن علي بن الحسين: (أن صفية رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، فلما رجعت مشى معها، فأبصره رجل من الأنصار، فلما أبصر دعاه، فقال: تعال، هي صفية) وربما قال سفيان: (هذه صفية، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) قلت لسفيان: (أتته ليلاً؟ قال: وهل هو إلا ليلاً) رواه البخاري 4/ 819.
فرأى صلى الله عليه وسلم أن خروجه معها رضي الله عنها أمر لا بد منه في ذلك الليل، فخرج معها من معتكفه، ليوصلها إلى بيتها.
وخلاصة القول: أن هديه صلى الله عليه وسلم في اعتكاف كان يتسم بالاجتهاد، فقد كان جل وقته مكث في المسجد، وإقبال على طاعة الله عز وجل، وترقب لليلة القدر.
مقاصد الاعتكاف
- تحري ليلة القدر.
- الخلوة بالله عز وجل، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم أنسه بالله عز وجل وذكره.
- إصلاح القلب، ولم شعثه بإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته.
- الانقطاع التام إلى العبادة الصرفة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن.
- حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات.
- التقلل من المباح من الأمور الدنيوية، والزهد في كثير منها مع القدرة على التعامل معها.
أقسام الاعتكاف
- واجب: ولا يكون إلا بنذر، فمن نذر أن يعتكف وجب عليه الاعتكاف، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه) وفي الحديث أن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: (أوف بنذرك) البخاري 4/ 809.
- مندوب: وهو ما كان من دأب النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه في العشر الأواخر من رمضان، ومحافظة على هذا الأمر وهو سنة مؤكدة من حياته صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث التي أشير غليها عند الحديث عن مشروعية الاعتكاف.
حكم الاعتكاف
سنة مؤكدة داوم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقضى بعض ما فاته منها، ويقول في ذلك (عزام): " والمسنون ما تطوع به المسلم تقرباً إلى الله، وطلباً لثوابه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت أنه فعله وداوم عليه) ص 114
شروط الاعتكاف
يشترط للاعتكاف شروط هي:
- الإسلام: إذ لا يصح من كافر، وكذلك المرتد عن دينه.
- التمييز: إذ لا يصح من صبي غير مميز.
- الطهارة من الحدث الأكبر (من جنابة، وحيض، ونفاس) وإن طرأت مثل هذه الأمور على المعتكف أثناء اعتكافه وجب عليه الخروج من المسجد، لأنه لا يجوز له المكث على حالته هذه في المسجد.
- أن يكون في مسجد: قال الله تعالى (ولا تُباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد والأفضل أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجمعة، حتى لا يضطر إلى الخروج من مسجده لأجل صلاة الجمعة.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم. والصواب أن الاعتكاف جائز في كل مسجد تصلى فيه الفروض الخمسة، قال الله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) سورة البقرة 187، فدل عموم قوله تعالى: (في المساجد) على أنه جائز في كل مسجد. ويستحب أن يكون في مسجد جامع، حتى لا يحتاج المعتكف إلى الخروج للجمعة.
وأما حديث (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار 4/ 20 فهو على القول بصحته مؤول بمعنى أنّ أكمل ما يكون الاعتكاف في هذه المساجد كما قال أهل العلم.
¥