وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار () ونحوه من علاماتهم لأن تلك علامة وضعية ليست من الدين وإنما الغرض بها مجرد التمييز بين المسلم والكافر.
وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.
الوجه الثاني: أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله لأنه: إما محدث مبتدع، وإما منسوخ وأحسن أحواله ولا حسن فيه أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس.
هذا إذا كان المفعول مما يتدين به وأما ما يتبع ذلك من التوسع في العادات من الطعام واللباس واللعب والراحة فهو تابع لذلك العيد الديني.
الوجه الثالث: أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس بل عيداً حتى يضاهى بعيد الله بل قد يزاد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر] ا. هـ باختصار ().
ثم ذكر شيخ الإسلام وجوهاً أخرى فليراجعها من شاء ففيها فوائد وحكم جليلة قلما توجد في كتاب.
فصل
فقد تبين أن أعياد المسلمين محصورة فيما شرعه الله تعالى لهم وأن لكل أمة منسكاً وعيداً مختصاً بهم هو من شعائر ملتهم وأن الله عز وجل نهى المسلمين عن التشبه بالكافرين في أعيادهم وفي كل ما يختصون به من أمور دينهم وشعائرهم وأن هذا مما تواترت به النصوص والأدلة الشرعية وأجمع عليه سلف هذه الأمة من زمن الصحابة رضي الله عنهم إذ لم يؤثر عن واحد منهم أنه احتفل بعيد من الأعياد سوى عيد المسلمين، ولو كان خيراً لسبقونا إليه فهم كانوا أحرص على الخير ممن جاء بعدهم وكذا التابعون من بعدهم لم يحدثوا احتفالاً بذكرى يوم معين لا إسلامي ولا جاهلي ولا غيره مع وجود المقتضي لذلك وهو كثرة المناسبات وأيام السرور وانتفاء الموانع لإقامة الأعياد والاحتفالات بذكرى الأيام الإسلامية سوى مانع واحد وهو أن ذلك إحداث في دين الله ومعصية مكروهة كراهة تحريم؟.
ومضى على ذلك أتباع التابعين وأئمة المسلمين مستنين بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم مقتدين بآثار سلفهم.
هذا وهم يرون سائر الأمم المحيطة بهم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وغيرهم يحتفلون بأيام خاصة منها ما توارثوه ممن سبقهم ومنها ما أحدثوه هم من أعياد ومواسم بحسب ما تجدد لهم من أمور وأحداث دينية ودنيوية.
فلم يلتفت المسلمون إلى ذلك ولم يقل أحد منهم إنا أحق بالاحتفال بالأيام والمناسبات الإسلامية التي نصر الله فيها الحق وأهله ودحر الباطل وأهله كيوم بدر مثلاً أو الخندق أو الفتح أو القادسية أو اليرموك أو غيرها مع أن منها ما امتن الله به على المؤمنين في كتابه كما في سور الأنفال والتوبة والأحزاب والفتح وغيرها.
ولم يحتفلوا كذلك بذكرى فتوح البلدان المشهورة كفتح مصر والشام والعراق وما وراء النهر مع قوة الداعي إلى ذلك.
ولا اجترأ الخلفاء والملوك والأمراء () أن يحتفلوا بأيام المسلمين أو أيامهم الخاصة بهم وإنما حدث ذلك حين تولى العبيديون الذين سموا أنفسهم بالفاطميين كما سيأتي ذكره.
فصل
ولو قدر أن أحداً من علماء السلف المعتبرين أو أمرائهم وخلفائهم أحدث عيداً من الأعياد، أو شارك الكفار في أعيادهم الدينية أو الدنيوية لكان لفعله ذاك مردوداً عليه محجوجاً بالأدلة الشرعية المحكمة التي تقدم ذكرها في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقد كان لبعض الأئمة والخلفاء اجتهادات خالفوا فيها الحق فأنكرها عليهم من أنكرها من السلف، ولا يوجد أحد بعد الأنبياء معصوم من الخطأ والزلل، ومن نظر في كتب العلم خاصة كتب فروع الفقه عرف أن الخطأ وارد على الجميع حتى الصحابة رضوان الله عليهم فكيف بمن بعدهم؟
وإنما ذكرت هذا لأن من الناس وبعضهم من طلبة العلم الشرعي من تقرر لهم القواعد في المسألة ويتضح لهم الحق فيها وتورد لهم الأدلة الكثيرة ثم يقع في حيرة عظيمة إذا رأى شيخاً أو إماماً أو عالماً ممن له مكانة وتمكين يخالف الحق جهرة أو يسكت عن الإنكار على المخالفين أو يبرر فعلهم وصنيعهم.
ولو علم هذا المحتار أن هذا المخالف لو تابعه في مخالفته عشرات ممن هو مثله في العلم والفضل والمكانة والتمكين فإن ذلك لا يغير من الأمر شيئا ًولا يقلب الحق باطلاً ولا الباطل حقاً ولا يصير بفعله المنكر معروفاً ولا المعروف منكراً.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (أجمع الناس على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس) ().
وصح عنه أنه قال: (لا قول لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ().
فصل: لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة
لكن هذه الأمة ولله الحمد والمنة أمة مرحومة لا تجتمع على ضلالة ولا تتفق على معصية أو بدعة بل لا يزال فيها من ينكر المنكر ويأمر بالمعروف ويحق الحق ويبطل الباطل تصديقاً لخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون} () وفي لفظ من حديث ثوبان: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) ().
قال الإمام النووي رحمه الله: (أما هذه الطائفة فقال البخاري هم أهل العلم وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم قال القاضي عياض إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث.
قلت: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض…) ا. هـ نقله ().
والمقصود أن هذه الأعياد والاحتفالات المحدثة وإن رضيها أكثر العامة وفعلها الرؤساء والعباد وبعض العلماء واشتهرت في بلاد المسلمين فإنها لا تخرج عن كونها بدعة في الدين، ولا يتغير حكمها بفعل الأكابر لها، ولا بسكوت الساكتين عنها هذا لو فرض أنه لم ينكرها أحد إذ الحجة قائمة بما مضى من نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة
¥