ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[03 - 05 - 09, 11:19 ص]ـ
بين الحسن البصري والحجاج الثقفي:
لما ولي الحجاج بن يوسف الثقفي العراق وطغى في ولايته وتجبّر, كان الحسن البصري أحد الرجال القلائل الذين تصدوا لطغيانه وجهروا بين الناس بسوء أفعاله وصدعوا بكلمة الحق في وجهه, من ذلك أن الحجاج بنى لنفسه بناء في واسط, فلما فرغ منه نادى في الناس أن يخرجوا للفرجة عليه والدعاء له بالبركة.
فلم يشأ الحسن أن يفوّت على نفسه فرصة اجتماع الناس هذه, فخرج اليهم ليعظهم ويذكّرهم ويزهدهم بعرض الدنيا ويرغبهم بما عند الله عز وجل, ولما بلغ المكان ونظر الى جموع الناس وهي تطوف بالقصر المنيف مأخوذة بروعة بنائه مدهوشة بسعة أرجائه مشدودة الى براعة زخارفه, وقف فيهم خطيبا, وكان في جملة ما قاله: لقد نظرنا فيما ابتنى أخبث الأخبثين فوجدنا أن فرعون شيد أعظم مما شيّد وبنى أعلى مما بنى ثم أهلك الله فرعون وأتى على ما بنى وشيّد.
ليت الحجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه, وأن أهل الأرض قد غرّوه ..
ومضى يتدفق على هذا المنوال حتى أشفق عليه أحد السامعين من نقمة الحجاج فقال له: حسبك يا أبا سعيد .. حسبك, فقال له الحسن: لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيننه للناس ولا يكتمونه وفي اليوم التالي دخل الحجاج الى مجلسه وهو يتميز من الغيظ وقال لجلاسه: تبا لكم وسحقا, يقوم عبد من عبيد أهل البصرة ويقول فينا ما يشاء أن يقول ثم لايجد فيكم من يردّه أ, ينكر عليه, والله لأسقينّكم من دمه يا معشر الجبناء. ثم أمر بالسيف والنطع فأحضرا, ودعا بالجلاد فمثل واقفا بين يديه, ثم وجه الى الحسن البصري بعض شرطة وأمرهم أن يأتوا به. وما هو الا قليل حتى حضر الحسن, فشخصت اليه الأبصار ووجفت عليه القلوب, فلما رأى الحسن السيف والنطع والجلاد حرّك شفتيه, ثم أقبل على الحجاج وعليه جلال المؤمن وعزة المسلم ووقار الداعية الى الله.
فلما رآه الحجاج على حاله هذا هابه أشد الهيبة وقال له: هاهنا يا أبا سعيد .. هاهنا .. ثم ما زال يوسع له ويقول: هاهنا .. الناس ينظرون اليه فيدهشة واستغراب حتى أجلسه على فراشه.
ولما أخذ الحسن مجلسه التفت اليه الحجاج وجعل يسأله عن بعض أمور الدين, والحسن يجيبه كل مسألة بجنان ثابت وبيان ساحر وعلم واسع. فقال له الحجاج: أنت سيّد العلماء يا أبا سعيد, ثم دعا بغالية وطيّب له بها لحيته وودّعه.
ولما خرج الحسن من عنده تبعه حاجب الحجاج وقال له: يا أبا سعيد لقد دعاك الحجاج بغير ما فعل بك, واني رأيتك عندما أقبلت ورأيت السيف والنطع فحرّكت شفتيك, فماذا قلت؟.
فقال الحسن: لقد قلت: يا ولي نعمتي وملاذي عند كربتي, اجعل نقمته بردا وسلاما عليّ كما جعلت النار بردا وسلاما على ابراهيم.
(صور من حياة التابعين 2\ 17)
ـ[محمود إبراهيم الأثري]ــــــــ[03 - 05 - 09, 04:34 م]ـ
أحسن الله إليك أخي الكريم جهاد
إن موضوعك هذا ينقصه أن يتم تعديل عنوانه إلى:
صور من أُبتلي بالعلماء (ابتسامة)
نسأل الله أن يرزقنا الصدع بالحق في كل موضع
ـ[أبا قتيبة]ــــــــ[03 - 05 - 09, 05:56 م]ـ
جزيت خيرا
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[04 - 05 - 09, 08:15 م]ـ
الإخوة الكرام /
أبا قتيبة
محمود إبراهيم الأثري
جزاكم الله خيراً على مروركم وتعقيبكم .. < o:p>
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[04 - 05 - 09, 08:34 م]ـ
بين أبي يوسف القاضي وهارون الرشيد
عندما طلب هارون الرشيد من أبي يوسف القاضي وضع كتاب الخراج لم يفت القاضي أن يقدم النصيحة للخليفة في مقدمة الكتاب فقال: يا أمير المؤمنين: ان الله وله الحمد, قد قلّدك أمرا عظيما, ثوابه أعظم الثواب, وعقابه أشد العقاب, قلدك أمر هذه الأمة, فأصبحت وأمسيت وأنت تبني لخلق كثير, قد استرعاكهم الله وائتمنك عليهم وابتلاك بهم وولاك أمرهم, وليس يلبث البنيان اذا أسس على غير التقوى أن يأتيه الله من القواعد فيهدمه على من بناه وأعان عليه. فلا تضيّعن ما قلدك الله من أمر هذه الأمة الرعية, فان القوة في العمل باذن الله, لا تؤخر عمل اليوم الى الغد, فانك اذا فعلت ذلك أضعت, ان الأجل دون الأمل, فبادر الأجل بالعمل فانه لا عمل بعد الأجل, ان الرعاة مؤدون الى ربهم ما يؤدي الراعي الى ربه فأتم الحق فيما ولاك الله وقلدك ولو ساعة من نهاره, فانّ أسعد الرعاة عند الله يوم القيامة راع سعدت رعيّته, ولا تزغ فتزيغ رعيّتك, وايّاك والأمر بالهوى والأخذ بالغضب واذا نظرت الى أمرين, أحدهما للآخرة والآخر للدنيا فاختر أمر الآخرة على الدنيا, فان الآخرة تبقى والدنيا تفنى ولكن من خشية على حذر, واجعل الناس عندك في أمر الله سواء القريب والبعيد, ولا تخف في الله لومة لائم, واحذر فان الحذر في بالقلب وليس باللسان, اتق الله فانما التقوى بالتوقي, ومن يتقي الله يتقه.
اني أوصيك يا أمير المؤمنين بحفظ ما استحفظك الله, ورعاية ما استرعاك الله, وألا تنظر في ذلك الا اليه وله, فانك ان لا تفعل تتوعّر عليك سهولة الهدى وتعمى في عينيك وتتخفى رسومه, ويضيق عليك رحبه, وتنكر منه ما تعرف, وتعرف منه ما تنكر, فخاصم نفسك خصومة من الفلج لها لا عليها, فان الراعي المضيّع يضمن ما هلك على يديه ما لو شاء رده عن مواطن الهلكة باذن الله.
وأورده أماكن الحياة والنجاة فان ترك ذلك أضاعه وان تشاغل بغيره كانت الهلكة عليه أسرع وبه آخذ. واذا أصلح كان أسعد من هنالك بذلك, ووفاه الله أضعاف ما وفى له.
فاحذر أ، تضيع رعيّتك فيستوفي ربها حقها منك ويضيّعك بما أضعت أجرك, وانما يدعم البنيان قبل أن ينهدم, وانما لك من عملك ما عملت فيمن ولا الله أمره, فلست تنسى ولا تغفل عنهم وعما يصلحهم, فليس يغفل عنك ولا يضيع حقك من هذه الدنيا. وأوصيك في هذه الليالي والأيام بكثرة تحريك لسانك في نفسك بذكر الله تسبيحا وتهليلا وتمجيدا والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة وامام الهدى.
(مقدمة كتاب الخراج للامام أبي يوسف القاضي).
¥