الأمر الثاني: أن يجتهد المعتكف في تحقيق التقوى التي هي الطريق إلى القيام بحقوق العبادات فمن اتقى الله - تعالى - علمه ورزقه فرقانا يفرق به بين الحق والباطل وأقامه على سبيل الهدى، وبيّن له معالم المحبة والرضا فاشتاقت نفسه وتلهفت روحه إلى رحمة الله - تعالى - حتى يسعى لله ولا يسعى لشيء سواه. < O:P>
فإذا أراد المعتكف أن يكون اعتكافه نقيا لله خالصا لله - تعالى - عليه أن يحصّل التقوى في أقواله وأفعاله وأعماله الظاهرة والباطنة يحرص على هذا الأساس وهو تقوى الله - عز وجل -. < O:P>
من الأمور التي تعين على الأدب مع الله - تعالى -: المراقبة أن يستشعر في كل دقيقة قبل الساعة وفي كل يوم، وفي كل لحظة أن الله يسمعه ويراه وأنه في بيت من بيوت الله - تعالى- وأن هذا البيت له حرمة فإن هذه المساجد لم تُبنَ إلا لله {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}. < O:P>
فليس الاعتكاف للجلوس مع زيد أو عمرو أو لإضاعة الأوقات في القيل والقال والترهات، يستحي من ربه أن يراه يضيع ساعة في غير ذكر أو شكر فإذا استشعر أن الله يراقبه وأن الله ينظر إليه فإنه ينكسر قلبه لله ويحسن المعاملة مع الله - تعالى - يورث هذا شعورا مع الإنسان يجعل النفس من أقوى النفوس انبعاثا في طاعة الله - تعالى - حينما يستشعر الإنسان أنه ضيفًا على الله وأنه في بيت الله قد دخل هذا البيت مهموما مغموما من الدنيا وخلفها كلها وراء ظهره وأقبل على الله ضيفا عليه يرجو رحمته ويخشى عذابه. < O:P>
من الأمور التي تعين على الأدب مع الله: استشعار المعتكف في كل لحظة ما كان منه من التقصير في جنب الله - تعالى -. < O:P>
الذنوب تكسر القلوب لله - تعالى - الذنوب تخشع القلوب لله - عز وجل - الذنوب تعلّم الإنسان حقارته وذلته وفاقته وأنه تحت رحمة الله - تعالى - فإذا دخل إلى الاعتكاف وهو يحس وكأنه أكثر وأعظم من في المسجد ذنبا وأنه تحت رحمة ربه وأنه تحت لطفه وعفوه وبره نادما على ما كان منه من الإساءة والتقصير في جنب الله - تعالى - فيدخل وهو يقول: يا رب لا تحرمني رحمتك وذنوبه بين عينيه كمل أدبه مع الله - تعالى -: < O:P>
أنا المسيء المذنب الخطاء في توبتي عن حوبتي إبطاء < O:P>
إذا أحس أنه مذنب وأن الواجب عليه أن يتوب إلى الله احتقر نفسه وانكسر قلبه بين يدي الله - تعالى - وأقبل على الله - تعالى - إقبال الأواه التائب الطالب الراغب وهنيئا لأقوام دخلوا المسجد بذنوب فخرجوا كيوم ولدتهم أمهاتهم وهنيئا لأقوام خرجوا من اعتكافهم قد نفضت من على ظهورهم السيئات والأوزاروهنيئا لأقوام بُيّضت صحائف أعمالهم من ذنوب الأعمار هنيئا لمن أخلص لله - تعالى - فتأدب مع الله فخرج من هذا المسجد ومن المساجد معتكفا بأعظم مثوبة وأعظم جزاء. < O:P>
من الناس من خرج من المسجد بسعادة لا شقاء بعدها أبدا وكم من معتكف خرج من مسجده وقد عتقت رقبته من النار، وكم من معتكف خرج من مسجده بالفردوس الأعلى من الجنة، أي شيء تطلبه حتى تتأدب مع الله، وتعرف مع من تُعامل، مع من تتعامل، ومن تعبد، ومن ترجو، ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض، هذا الرب الحليم الرحيم الكريم الجواد العظيم، الذي بشربة ماءٍ لكلب غفر ذنوب العمرهذا الرب الذي لا تنقضي خزائنه ولا تنتهي فضائله ونوائله - عز وجل - وهو ذو الفضل العظيم. < O:P>
فإذا علمت من هو الله الذي تعامله وأنها سوق رابح وأنك داخل على باب من أبواب الرحمة لا يعلم مداه وقدره إلا الله - تعالى -. < O:P>
يا هذا أين أنت أنت في الرحاب الطاهرات والمنازل المباركات وفي بيوتٍ أذن الله أن ترفع. < O:P>
تتأدب مع الله - تعالى - حينما تعلم من هو الرب الذي تعبده؟ ومن هو الرب الذي تناجيه؟ من هو الكريم الذي ينفحك برحماته وبركاته وعطاياه - عز وجل -؟ نسأل الله العظيم أن يجعل لنا ولكم من ذلك أوفر الحظ والنصيب .. < O:P>
¥