تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن الأنبا ري: المراد من عدالة الصحابة قبول روايتهم من غير تكلف البحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية، إلا أن يثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك.

وقال شاه ولي الله الدهلوي: وبالتتبع وجدنا أن جميع الصحابة يعتقدون أن الكذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد الذنوب ويحترزون عنه غاية الاحتراز.

وقال الآلوسي في الأجوبة العراقية على الأسئلة الإيرانية: أنه ما مات من ابتلي منهم بفسق إلا تائبا عدلا ببركة الصحبة، والآلوسي يفسر بذلك معنى العدالة المرادة للمحدثين. ثم قال: لا يقال: إذا كانت العدالة التي ادعيتموها للصحابة رضي الله عنهم بذلك المعنى يلزم منه التوقف في قبول رواية من وقع منه مفسق إلى أن يعلم أنها بعد التوبة، لأنا نقول بعد الالتزام، بأنه لا بد من أن يتوب ببركة الصحبة التي هي الإكسير الأعظم، لا احتمال، لكون روايته عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذبا وافتراء عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن صحة توبته يقتضي تلافي ذلك بالإخبار عن أمره، فتأمله فإنه دقيق، وعليك برعاية حق الصحبة فهو بالرعاية حقيق. ا. هـ.

وبهذا يتضح أن المراد بالعدالة الثابتة لجميع الصحابة عند المحدثين هي تجنب تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها بارتكاب ما يوجب عدم قبولها فإن الذنب على فرض وقوعه لا يمنع من قبولها، فهم عدول على العموم.

ويشرح معنى عدالتهم محمد أبو شيبة فيقول: ومعنى عدالتهم أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما اتصفوا به من قوة الإيمان والتزام التقوى وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي أو من السهو أو الغلط.

خامسا: قصة أبي بكرة مع المغيرة ـ رضي الله عنهما ـ

الصحابة على جلالة قدرهم، ومكانتهم في الإسلام، والاتفاق على عدالتهم فيما يبلغون من دين الله فهم فيما عدا ذلك بشر غير معصومين يعتريهم ما يعتري البشر من ضعف، وغفلة، فقد يقع أحدهم في الخطأ والزلل وهم محفوظون بحفظ الله لهم وتيسير التوبة لهم وببركة دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم وبما قدموه للإسلام من خدمات جليلة عظيمة وبما لهم من حسنات ومناقب.

روى سليمان بن كثير عن الزهري عن سعيد بن المسيب " أن عمر حيث شهد أبو بكرة ونافع وشبل على المغيرة، وشهد زياد على خلاف شهادتهم، فجلدهم عمر واستتابهم وقال: من رجع منكم عن شهادته قبلت شهادته. فأبى أبو بكرة أن يرجع " أخرجه عمر بن شبة في أخبار البصرة من هذا الوجه، وساق قصة المغيرة هذه من طرق كثيرة محصلها أن المغيرة بن شعبة كان أمير البصرة لعمر، فاتهمه أبو بكرة ـ رضي الله عنه ـ وهو ـ نفيع ـ الثقفي الصحابي المشهور، وكان أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وهو معدود في الصحابة وشبل (بكسر المعجمة وسكون الموحدة) ابن معبد بن عتيبة بن الحارث البجلي، وهو معدود في المخضرمين، وزياد بن عبيد الذي كان بعد ذلك يقال له زياد بن أبي سفيان اخوة من أم، أمهم سمية مولاة الحارث بن كلدة، فاجتمعوا جميعا فرأوا المغيرة متبطن المرأة، وكان يقال لها الرقطاء أم جميل بنت عمرو بن الأفقم الهلالية، وزوجها الحجاج بن عتيك بن عوف الجشمي، فرحلوا إلى عمر فشكوه فعزله وولى أبا موسى الأشعري، وأحضر المغيرة فشهد عليه ثلاثة بالزنا، وأما زياد فلم يبت الشهادة وقال رأيت منظرا قبيحا وما ادري أخالطها أم لا؟ فأمر عمر بجلد الثلاثة حد القذف وقال ما قال. واخرج القصة الطبراني في ترجمة شبل بن معبد، والبيهقي من رواية أبي عثمان النهدي أنه شاهد ذلك عند عمر وإسناده صحيح ورواه الحاكم في المستدرك من طريق عبد العزيز بن أبي بكرة مطولا وفيها قال زياد: رأيتهما في لحاف واحد وسمعت نفسا عاليا ولا أدري ما وراء ذلك.

(فتح الباري 5/ 321)

سادسا: حكم قبول شهادة القاذف: ـ

قال سبحانه: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فإن الله غفور رحيم) (النور 4، 5) فباب التوبة مفتوح للناس جميعا من القذف وغيره فمن تاب تاب الله عليه، وتكذيب القاذف نفسه ليس شرطا في قبول توبته. صحيح أن عمر رضي الله عنه ذهب إلى ذلك ولكن خالفه جمع كبير من أهل العلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير