تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

للمؤتمر، فانتقل على الفور بروحه من مجال المشكلات إلى أبهة وأمجاد الماضي

الخلاب «[13].

ومن وسائله الماكرة، التي لا يزال يتقن استعمالها رميه للمسلم بشتى

الاتهامات، بل يحاول الإيحاء بأن المسلم منبوذ القرن العشرين، وفي هذه الحالة

يصبح سلوك المسلم ردود أفعال، وترفع عنده توتر طاقات الدفاع حتى يكون في

حالة توتر شاذة، ويعيش إما مُتهِماً أو مُتَهماً، وفي هذه الظروف فإن مختبرات

الاستعمار تصرف كل إمكانيات المسلم إلى معارك وهمية، يُسمع فيها قعقعة السلاح

ودوي الحرب ولكنها معارك مع أشباح، والمسلم يظن أنه انتصر ويرتاح نفسياً،

والتاريخ الإسلامي الحديث لا يخلو من هذه المعارك الوهمية كتلك التي خاضها

الأفغاني ومحمد عبده ضد أرنست رينان وجبرايل هنوتو، والمشكلة ليست في

الدفاع عن الإسلام ولكن في تعليم المسلمين كيفية الدفاع عن أنفسهم [14].

لقد تدخل الاستعمار في كل شيء حتى لا يترك فرصة لأي بعث إسلامي،

فكانت الإدارة الفرنسية في الجزائر هي التي تعين المفتي والإمام لا طبقاً لمشيئة

جماعة المسلمين بل تبعاً لهوى المستعمرين، وبذلك تجمع في يدها أنفذ وسائل

الإفساد، فاختيار رجل يؤم الناس في المسجد لا يكون بناء على تميزه بضمير حي

أو علم بأصول العقيدة، بل يراعى في ذلك ما يقدمه للإدارة من خدمات، حتى كأنه

(جاويش) صلاة، ولا شك أن هذا التحكم في شعائر الدين مما يقض مضاجع

أصحاب العقائد من المؤمنين لما يرون من أحداث غاية في الفساد: إمام جاسوس،

ومفت فاسد، وقاض مرتش، وغاية الاستعمار أن يجعل من الإسلام صورة عجيبة،

وبذلك يكدس العقبات والعوائق على طريق النهضة الإسلامية) [15].

دور الاستشراق:

كان للمستشرقين دور بارز في محاولة تشويه وتزييف التاريخ الإسلامي

والطعن في الإسلام نفسه، ولكن مالك بن نبي يركز على ناحية معينة في إنتاجهم

كان لها أثر نفسي سيء في أذهان المسلمين. فبعض المستشرقين خلطوا في كلامهم

بين المدح للإسلام وبين وضع السم في الدسم، هذا المدح جعل بعض المسلمين

يستسلمون لنزعة الفخر والعيش مخدرين على أمجاد الماضي، وكل من أراد الدفاع

عن الإسلام استشهد بكلام لأحد المستشرقين، (وهكذا يتبين لنا أن الإنتاج

الاستشراقي بكلا نوعيه (المادحون والمفندون) كان شراً على المجتمع

الإسلامي) [16] (وعندما يعلن الاستشراق أنه لا نصيب للعرب في تشييد صرح

العلوم، ربما يؤدى بنا هذا الموقف المتطرف إلى تلافيه بسطحية نشاهد أثرها في

إنتاج بعض المفسرين مثل طنطاوي جوهري) [17] وهو التفسير الذي حول القرآن

إلى مادة للعلوم، والقرآن يوجد المناخ العقلي والنفسي للروح العلمية وليس هو كتاب

جغرافيا أو فلك أو أحياء ..

وأخيراً لابد أن نعلم أن المكر السيء يحيط بأهله (فالاستعمار الذي يهلك

المستعمَرين مادياً يهلك أصحابه أخلاقياً، وذلك ما يشهد به تاريخ أسبانيا منذ

اكتشاف أمريكا) [18] (إن الأمم الاستعمارية على الرغم من إدراكها لأخطار

الاستعمار، تعمى عن هذه الأخطار كأن هنالك قدراً محتوماً يقضي على يقظتها

ووعيها) [19].

ويجب أن نعلم أيضاً أنه رغم كل هذه العوائق، استطاع المسلم التفلت من

الأنشوطة التي أراد الاستعمار عقدها حول عنقه، فما زالت فطرته وإسلامه يعطيانه

القوة والدافع لتلمس الطريق الصحيح.

ما هي نقطة البدء؟ ...

الإقلاع:

الإيمان العميق بالمبدأ الذي يعتنقه المسلم هو نقطة البدء، هذا الإيمان الذي

يعطيه قوة فوق قوته، واحتمالاً فوق احتماله، فيتغلب على المصاعب التي

تعترضه، ويتحول هذا الإيمان إلى عاطفة قوية جارفة (فالروح وحدها هي التي

تتيح للإنسانية أن تنهض وتتقدم، فحيثما فقدت الروح سقطت الحضارة وانحطت

لأن من يفقد القدرة على الصعود لا يملك إلا أن يهوي بتأثير الجاذبية الأرضية) [20]

(فأينما توقف إشعاع الروح يخمد إشعاع العقل، ويفقد الإنسان تعطشه

إلى الفهم وإرادته للعمل عندما يفقد الهمة وقوة الإيمان، فالإيمان هو المنبع

الوحيد للطاقة الإنسانية [21] والمسلم الذي يصل إلى درجة (التوتر الروحي)

يشعر بالسعادة الغامرة عندما يبني أول مسجد في المدينة ويحمل (لَبنِتَيْن) بدلاً عن

واحدة) وفي هذه الحالة الروحية صبر بلال - رضي الله عنه - ولم تستطع قوة في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير