ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[10 - 11 - 04, 09:45 م]ـ
قراءة في فكر مالك بن نبي
- الحلقة الأخيرة -
محمد العبدة
بعد الحلقة الأخيرة في قراءة فكر مالك بن نبي كانت النية متجهة للكتابة عن
بعض أخطائه ضمن الكتابة عن المدرسة التي تأثرت به، وفي مكان آخر غير
صفحات هذه المجلة، ولكن بعض القراء أشاروا وطلبوا أن تكون الكتابة عن مالك
في المجلة حتى تتضح الصورة، وتظهر الإيجابيات والسلبيات كي تقع الفائدة
المرجوة وتتجنب الأخطاء، واستجابة لهذا سأكتب عن الأخطاء ضمن المنهج
الصحيح في الجرح والتعديل؛ وهو أنه إذا غلب على الرجل الخير فالأولى تقديم
إيجابياته والتغاضي عن سلبياته أو ذكرها مجملة ما أمكن ذلك، وما أردت في
المقالات السابقة إلا عرض خلاصة أفكاره عن أمراض العالم الإسلامي وشروط
النهضة، وهي أفكار تستحق الدراسة والتأمل، ونتمنى أن يستفيد منه المسلمون في
كل مكان. فقد أصاب فيها المحز، ووضع الإصبع على الجرح، ورغم مرور
سنين على طرحها، لكن مشكلة المسلمين لا زالت كما حللها وكتب عنها.
إن الأخطاء التي سنتكلم عنها ليست أخطاء عادية مما يقع لكل كاتب، فكان
لابد من ذكرها والتنبيه عليها.
النظرة السطحية للأحداث والشخصيات:
كان مالك بن نبي عميقاً في فهم غور الاستعمار وأساليبه الخفية للتسلط على
العالم الإسلامي، وعميقاً في معالجة (القابلية للاستعمار) عند المسلمين، ولكنه في
عالم الواقع والسياسة فيه سذاجة أو طفولة سياسية، وهذا ليس غريباً فقديماً تعجب
الإمام ابن الجوزي من شخصية أبى حامد الغزالي، كيف يجمع بين الفقه والذكاء
من جهة، وبين الصوفية وحكايات العجائب والخرافات من جهة أخرى.
أ - أعجب مالك بثورة 23 يوليو في مصر، ومدحها ووضع آماله فيها من
ناحية الإصلاح الزراعي والصناعة، وإنشاء وزارة الثقافة والإرشاد، والحياد
الإيجابي، وكل الدجل والشعارات التي أطلقها مهرج هذه الثورة.
فثورة يوليو 1952 عند مالك (من أهم الحوادث بالنسبة للصراع الفكري،
وكان لهذا الحدث تأثير شرارة كهربائية انطلقت في وعي البلاد العربية والعالم
الإسلامي) [1] (وكل عربي يعلم أن نظرة الرئيس جمال عبد الناصر خطت
للنهضة العربية الاتجاه الصحيح الذي يحقق الشرط الأول للانسجام مع القانون
العام ... ) [2].
كيف يكون هذا الزعيم بهذه الصفات ونحن لا نعلم أن هناك زعيماً آخر في
العصر الحديث ترك بلاده خراباً مثل جمال عبد الناصر؟ كيف لا يدري مالك بن
نبي وهو من هو في فهم اللعبة الاستعمارية أن عبدالناصر كان ضمن (لعبة الأمم)،
وأنهم ساعدوه على صنع هذه البطولة المزيفة، وحتى لو كانت هناك بعض
الإصلاحات المادية - وهي لم تتحقق فعلاً - فأين الحديث عن الاستبداد السياسي
وكرامة الشعب المسحوقة؟ بل أين تطبيق الإسلام؟.
2 - علق مالك بن نبي آمالاً كبيرة على مؤتمر باندونغ، واعتبره كتلة سلام
للعالم، واعتبر هذا التنوع الذي يضم تسعاً وعشرين دولة، تضم تراثاً فكرياً متفاوتاً
(يمكن بطبيعة الحال أن يقدم العناصر اللازمة لبناء قاعدة متينة للسلام)، [3]. هذه
نظرته لهذا المؤتمر، والحقيقة أنه كان يحب التكتلات الكبيرة لمواجهة الغرب، وقد
يكون معه بعض الحق في هذا، ولكن مثل هذا التكتل كان يحمل بذور فشله،
وقضية الحياد التي يرفعها لم تكن صحيحة، فكل دولة منحازة، والهند التي كانت
من أبرز أعضاء المؤتمر وتدعي السلام والروحانية كانت تحمل بين جوانحها الكره
العميق للمسلمين، بل إن صورة الهند العداونية كانت من البديهيات عند الشباب
المسلم في الستينات، ولم ينخدعوا بكلام الدبلوماسي الهندي (ليس لدينا من الخشوع
ما يكفينا ونحن ذاهبون إلى باندونغ) [4]، ويصدق مالك بن نبي أن نهرو حمل
رسالة اللاعنف التي سلمه إياها غاندي، ونهرو هذا يكتب في (المجلة العصرية)
مقالتين ينكر فيهما على الجمعيات المسلمة الحركة ضد القاديانية ويؤيد جانب
القاديانية) [5]، وهند نهرو هي التي احتلت كشمير وأخذتها بالقوة، فأين
السلم وأين الديمقراطية التي تدعيها؟ وما الفرق بين الهند وباكستان في
(القابلية للاستعمار).
وقد أدرك مالك أخيراً عدم جدوى أي محاولة تجمّع ليست عناصره
منسجمة [6]، كما كان يلمح في آخر حياته بأن ثورة 23 يوليو لم تقم بالواجب،
¥