ولاشك أن الكبار من أمثال مالك بن نبي يتراجعون إذا عرفوا الحق.
3 - كانت روسيا بعد الثورة الشيوعية تدعي أنها دولة صديقة للشعوب وللعالم
الثالث، وأنها ليست دولة استعمارية، وقد صدّق مالك بن نبي هذه المقولة، يقول:
(فالمناخ الاستعماري الذي تكوّن في أوربا وأمريكا على حد سواء، وفي الاتحاد
السوفييتي قبل الثورة أيضاً) ولكن الحقيقة أن روسيا مستعمرة قبل الثورة وبعدها،
ولم تتخل عن جشع الدول الكبرى، وهي وجه آخر للحضارة الغربية.
4 - نقد مالك الانتخابات السياسية التي تطالب بالحقوق فقط وتنسى الواجبات،
وتعتمد أسلوب المظاهرات والحفلات، وهو محق في هذا، ولكنه شارك في هذه
الوسائل، وساعد (مصالي الحاج) في قيام الحزب الوطني، مع أنه ينتقده هو
وحزبه، ولكنه حب الحركة ثم يكتشف الأخطاء بعدئذ.
اللاعنف:
أعجب مالك بن نبي بقصة (اللاعنف) عند غاندي، فهو يذكرها دائماً، بل
يذكرها بخشوع، ويبني عليها أحلامه الفلسفية في السلام العالمي، واتجاه العالم نحو
مناقشة قضاياه بالسلم والحوار والفكر، يقول عن منطقة جنوب شرقي آسيا: (هي
مجال إشعاع الفكر الإسلامي وفكرة اللاعنف، أي مجال إشعاع حضارتين:
الحضارة الإسلامية والحضارة الهندوكية، الحضارتان اللتان تختزنان أكبر ذخيرة
روسية للإنسان اليوم) [7].
ويحلق في الخيال والطوباوية عندما يقول: (فكذلك رفات غاندي التي ذروها
فإن الأيام ستجمعها في أعماق ضمير الإنسان من حيث سينطلق يوماً انتصار
اللاعنف ونشيد السلم العالمي) [8]. (هذا الرجل (غاندي) كان يتقمص إلى درجة
بليغة الضمير الإنساني في القرن العشرين). [9].
إن فكرة (السلم العالمي) بمعنى أن يحل السلام في العالم بشكل دائم، أو أن
العالم يتجه نحو هذا الهدف، هذه الفكرة غير واقعية وغير شرعية، وهي فكرة
خيالية محضة، فهي تنافي مبدأ الصراع الذي ذكره القرآن الكريم] وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ
النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ [[البقرة: 251] كما تنافي مبدأ الجهاد في
الإسلام، وهي غير واقعية لأن من طبيعة البشر التغالب والعدوان إن لم يردعهم
رادع، والدول الكبيرة القوية تأكل الضعيفة إن لم يكن عسكرياً فاقتصادياً.
والبشرية لن تبلغ رشدها في عمرها الثالث فتصبح الفكرة ذات قيمة قي حد ذاتها كما
يتصور مالك بن نبي [10]، بل إنها كثيراً ما تتردى من الناحية الإنسانية،
والبشرية لا تبلغ رشدها إلا إذا حكمها الإسلام.
إن فكرة (اللاعنف) و (الإنسانية) من الأفكار الخطيرة التي بذرها مالك
ووسعها بعدئذ تلامذته، وحاولوا اللف والدوران كثيراً حول مبدأ الجهاد الإسلامي.
الإنسانية والعالمية:
وقريب من مبدأ (السلام العالمي) كان مالك يحلم بأن تتوحد الإنسانية في
مجتمع عالمي، ويظن بأن البشرية تسير بهذا الاتجاه، (فالعالم قد دخل إذن في
مرحلة لا يمكن أن تحل فيها أغلبية مشكلاته إلا على أساس نظم الأفكار) [11]،
(وحين اتجه العالم إلى إنشاء منظمة اليونسكو، كان يهدف إلى (تركيب) ثقافة
إنسانية على المدى البعيد) [12] (وما محكمة العدل في لاهاي والقانون الدولي،
والقانون البحري إلا مظاهر خاصة لذلك الاتجاه العام الذي لايفتأ يمهد الطريق
لتوحيد العالم) [13].
هذا المفهوم للإنسانية مفهوم وهمي يراد به محو الشخصية الثقافية الحقيقية
لكل مجتمع ولكل أمة، وإذا كان العالم قد تقارب وانتشرت الأفكار في كل مكان،
وقد يستفيد المسلمون من ذلك في نشر دينهم الذي يملك عناصر التأثير والقوة،
ولكن أن يتوحد العالم في مجتمع واحد فهذا مفهوم ذهني مجرد، وإذا كان هو نفسه
شعر بأن فكرة الأفرو آسيوية صعبة التحقيق، ولذلك عاد وكتب عن (الكومنولث
الإسلامي)؛ فكيف يظن أن العالم يسير نحو الوحدة؟!
ضعف ثقافته الشرعية:
لم يتصل مالك بن نبي بعلماء عصره ليستفيد منهم، ورغم اعترافه بأهمية
جمعية العلماء في الجزائر التي كان على رأسها الشيخ عبد الحميد بن باديس؛ إلا
أن علاقته بها كانت فاترة ويعترف هو بعد لأي أنه كان مخطئاً في هذا [14]،
ولذلك كانت دراسته للإسلام نابعة من قراءاته الشخصية وهي قليلة إذا قيست
بقراءاته في الفكر الغربي، وهذا ما جعله يخطئ في أمور كثيرة سواء كانت في
¥