التفصيل صح إحرامه، وعند أداء المناسك يأتي بواحد من الثلاثة التي ذكرناها.
والإحرام بالمعنى الذي ذكرناه - وهو نية النُّسك من حج وعمرة فرض فيهما، وهو
ركن عند الجمهور وشرط على الراجح عند الحنفية.
ويستحب الاغتسال للإحرام، ولو لحائض ونُفَساء، وكذلك التطيب قبله،
وأن يكون بعد صلاة، إما صلاة فرض، وإما صلاة تطوع، وأن يحرم في ثوبين
نظيفين - وكونها أبيضين أفضل - وفي نعلين لا يستران الكعبين، وأن يكون أحد
الثوبين إزارًا، يُلف على النصف الأسفل من البدن والآخر رداء، يوضع على
العاتق ويستر النصف الأعلى منه دون الرأس فإنَّ ستره حرام على الرجال. فلا
يجوز للمحرِم لُبس العمامة ولا غيرها مما يوضع على الرأس، ولا لبس القميص
والقباء (القُفطان) والبرنس والجُبَّة والسراويل والخف والحذاء، الذي يسمى
الجزمة أو الكندرة. ولا ما في معنى ذلك من الثياب المفصلة المخيطة، ومن لم
يجد الإزار والرداء أو النعلين لبس ما وجده؛ ففي صحيح مسلم عن ابن عباس أنه
سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب بعرفات يقول: (السراويل لمن
يجد الإزار والخفان لمن يجد النعلين) ولا فِدية عليه عند الشافعي و أحمد لأنه لبس
ذلك للضرورة، فإذا زالت الضرورة في أثناء النسك، بأن وجد الإزار والنعلين
وجب عليه نزع السراويل والخف ونحوهما، فان لم ينزعها وجبت عليه الفدية،
وهي شاة يذبحها. وعند أبي حنيفة ومالك تجب عليه الفدية، وإن لبس ذلك
للضرورة. ولا بأس بشد المنطقة أو الهميان الذي توضع فيه النقود في الوسط.
ولا بأس بعقد الإزار في وسطه أيضًا، وإذا كان يخاف سقوطه بغير عقد يتأكد العقد.
والأصل في هذه المسألة حديث ابن عمر في الصحيحين: أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - سئل عما يلبس المحرم من الثياب فقال: لا يلبس القميص
ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس
الخفين وليقطعهما أسفل الكعبين. ولا تلبسوا شيئا من الثياب مسه الزعفران ولا
الورس هذا لفظ مسلم. وفي حديث ابن عباس المرفوع، أنه - صلى الله عليه
وسلم - لم يشترط في ترخيصه بلبس الخفين لمن لم يجد النعلين قطعهما. فبعض
العلماء حل هذا الإطلاق على حديث ابن عمر، وقال: لا بد من قطعهما، وبعضهم
قال: إن حديث ابن عباس ناسخ لحديث ابن عمر؛ لأنه بعده.
ولا يجب على الرجل كشف غير الرأس من بدنه، ويجوز له أن يستظل
بالمظلة (كالشمسية) وغيرها مما لا يمس رأسه، ولكن يستحب له أن يعرض
رأسه للشمس ما لم يتأذَّ بذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه -
رضي الله عنهم - لم يكونوا يستظلون في الإحرام، وقد رأى ابن عمر رجلا ظُلِّلَ
عليه قال له: أيها المحرم أَضْحِ لمن أحرمت له. أي ابرز للشمس لأجل من أحرمت
له، ويقال: ضَحَى الرجل، يَضْحَى ضُحًى، وضحا، يضحو، ضَحْوًا، وضَحْيًا،
إذا برز للشمس أو أصابته الشمس.
وأما المرأة فلم ينهها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عن وضع النِّقاب
على الوجه، ولبس القُفّازين في اليدين، فإحرامها في وجهها ويديها والنقاب ما
تستر به المرأة وجهها، فلا يبدو منه إلا محاجر العينين، ومثله البُرْقُع.
قال العلماء: فإن سترت وجهها بشيء لا يمسه فلا بأس. وأما ستره عن
الرجال بمظلة ونحوها فلا شبهة في جوازه، ويجب إذا خِيفت الفتنه من النظر.
ومن أَضَرّه لباس الإحرام، فله أن يتقي الضرر، ولو بتغطية الرأس، ومتى زالت
الحاجة إلى ذلك تركه.
وأما التلبية فصيغتها المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: (لبيك
اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)
وكان - صلى الله عليه وسلم - يلبي من حين يحرم، يرفع بها صوته، فرفع
الصوت سُنة للرجل، فيرفع المحرم صوته بحيث لا يجهد نفسه، والمرأة ترفع
صوتها بحيث تسمع نفسها، وكذا جارتها.
ومعنى التلبية المبالغة في إجابة دعوة الداعي إلى الحج، ولا يزال العرب
يجيبون من يدعوهم إلى شيء بكلمة لبيك، وأول من دعا الناس بأمر الله إلى هذه
العبادة إبراهيم - عليه وعلى آله الصلاة والسلام -. وذلك قوله تعالى له:] وَأَذِّن
¥