تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولك أن تتخيل أخي القارئ كم حجم الهبات التي حصل عليها من تمكن من الزواج أو شراء بيت. إنها لا بد أن تبلغ عشرات الألوف بل المئات منها. أليس هذا أوضح دليل على أن المقصود من النظام هو الهبات وليس الأقراص؟ فالأقراص لا تزوج عزباً ولا تشتري بيتاً. فإذا كان هذا هو المقصود الحقيقي من النظام فما الداعي إذن لوجود الأقراص ابتداء؟ ولم لا يكون النظام اشتراكات نقدية مقابل "هبات" تحصل بحسب "قوة السوق"؟ الجواب واضح، فإن غياب القُرص يكشف حقيقة النظام وأنه مبادلة نقد بنقد، من جنس اليانصيب. فكم من فقير وأعزب ومستأجر استغنى وتزوج وامتلك بيتاً بسبب جوائز اليانصيب، فهل هذا كاف في الحكم بالجواز؟ وهل بهذا تصدر الأحكام الشرعية؟

فإذا كان المقصود الحقيقي والأغلب من المبادلة هو الهبة، كان الحكم مبنياً على ذلك، فتكون مبادلة نقد بنقد محتمل، مع التفاضل والتأخير، فيجتمع فيها الميسر والربا. وأما الاحتجاج بأن هذا من أسباب مكافحة الفقر، فتأتي مناقشته إن شاء الله عند مناقشة النظام بمجموعه.

ضابط الحيل

تتنوع صور التحايل على الربا والقمار، إلا أن من أبرزها أن يضم صاحب الحيلة سلعة غير مقصودة إلى أحد البدلين، ثم يزعم أن المقصود هو السلعة وليس البدل المحرم.

ولكن الفقهاء كانوا أكثر فطنة من أصحاب الحيل، ولهذا اتفقوا على منع مبادلة نقد بنقد أكثر منه، ومع النقد الأكثر سلعة. وهذ المسألة تسمى عندالفقهاء: مُدّ عَجوة. وذلك كمن يبادل 1000 ريال بسلعة ومعها 1500، فلا خلاف بينهم في منع هذه المبادلة، وذلك أن الزيادة في النقد المضموم للسلعة لا يقابلها شئ في الطرف الآخر. والبائع لا يقبل في الحقيقة هذا التبادل إذا كان النقد الأكثر حاضراً، لأنه زيادة بلا مقابل، فتكون خسارة محضة. وإنما يمكن أن يقبل ذلك إذا كان النقد الأكثر إما مؤجلاً في الذمة، فتكون المبادلة في الحقيقة قرضاً بزيادة وأدخلت السلعة تمويهاً وتحايلاً على الربا. أو يكون النقد الأكثر محتمل الحصول، فتكون تحايلاً على الميسر والقمار.

وهذا هو الحاصل بالضبط في نظام "هبة الجزيرة": فالمتسوق يدفع 500 مقابل القُرص ومعه 15000. ومعلوم أنه لا يمكن أن يقبل بذلك البائع إلا إذا كان مبلغ الـ 15000 احتمالياً قد يحصل ولا يحصل، فيكون وجود القُرص حيلة وتلبيساً لحقيقة المعاملة وهي الميسر والمقامرة.

والفقه الإسلامي بحمد الله أعظم وأجلّ من أن تنطلي عليه هذه الحيل المذمومة، وإن كان قد يقع خلاف بين الفقهاء في بعض المعاملات هل هي من الحيل المذمومة أم لا. لكن فيما اتفقوا عليه وفي الأدلة الصحيحة ما يكشف وجه الحق في هذه المسائل، لأن الله تعالى عصم هذه الأمة من الاجتماع على ضلالة. وفي النهاية فإن الله عز وجل هو المطلع على قلب كل إنسان ومراده، فمن قصد الحق وبحث عنه وتجرد للدليل فسيتبين له الحق عاجلاً أو آجلاً، وهو في ذلك مأجور إن شاء الله. ومن أراد تتبع الرخص والتلفيق بين الآراء بما يرضي هواه لا بما يرضي مولاه، فسيجد عمله عند من لا تخفى عليه خافية.

الأسماء لا تغير الحقائق

وأما تسميتها بالهبة، فهو من تسمية الأشياء بغير اسمها الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة، في الصحيح وغيره. والأحكام الشرعية لا تتعلق بالأسماء إذا كانت تنافي الحقائق. فسواء سميت هبة أو هدية أو مكافأة أو منحة أو غير ذلك من الأسماء، فهذا لا يغير حقيقة أنها المقصود الأهم في المعاوضة.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الهدية قد تكون رشوة وغلولاً، كما في قصة الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم لجمع الصدقة، فلما جاء للنبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فتنظر أيهدى إليك أم لا؟ " ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول هذا لكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة" الحديث، متفق عليه، ورواه أحمد أبو داود.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير