تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جدال موسى عليه السلام. قال الله سبحانه: (فَأْتِيا فِرْعَونَ فقولاَ إِنَّا رسولُ رَبِّ العالمينَ) إلى أن قال سبحانه: (قَالَ فِرْعَونَ وَمَا رَبُّ العالمين. قالَ ربُّ السمواتِ والأرضِ وَمَا بينهُما إنْ كُنتم مُوقنينَ. قالَ لمن حَوْلَهُ أَلا َتستمعُون. قالَ رَبَّكُم وربُّ آبائِكُمْ الأولين. قالَ إنَّ رسولَكُم الذي أُرْسِلَ إليكُم لمجنُونُ. قالَ رَبُّ والمشرقِ والمغربِ وَمَا بَينهُمَا إنْ كنتم تعِقُلون. قال لئِنِ اتخذْت إلهاً غَيْرِي لاجعلنَّكَ مِنَ المسجُونيَنَ. قالَ أَوَ لَوْ جئتكَ بشيءٍ مُبينٍ. قالَ فأتِ بهِ إن كنْتَ مِنَ الصَّادقينَ فَألقى عَصَاهُ فإذا هَي ثُعْبانٌ مبينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فإذا هيَ بيْضَاءُ للناظرينَ).

والإشارةُ إلىَ وجْهِ الدلالةِ منْ ذلكَ أنَّ فرعونَ لما قال: (وَمَا رَبُّ العالمينَ) علمَ موسى أنهُ سؤالُ عنْ ماهية ربَّ العالمينَ، وربُّ العالمين لا ماهية لهُ، لانهُ الأول فلا شيءَ قبله فيكونُ منهُ، بلْ هوَ مكِّونُ ما تتكونُ الأشياء منهُ، فلمْ يشتغلْ مُوسى برِّد سؤاِلِهِ وبيانِ فسادِهِ، وكانَ المقصودُ تعريفَ الربَّ جلَّ وعلاَّ بصفتهِ فقال: (رَبُّ السمواتِ والأرض وماَ بينَهما) فحصرَ الكائناتِ في ثلاث كلماتٍ فلما قال: (أَلا تستَمعونَ. قالَ ربكُم وربّ آبائِكم الأولين) رداً على فرعونَ قوله (أنا ربُكُم الأعلى) فلما قالَ: (إن رسولَكم الذي أُرسِلَ إليكم لمجنون) أردفَ ما ُذِكرَ بشاهديْنِ آخرينِ فقالَ: (رَبُّ المشرِق والمغربِ ومَاَ بينَهما)؛ لانَّ المشرق والمغربَ آيتانِ عظيمتانِ لا يقدرُ فرعونُ على ادُّعائِهما، فلَّما اندحضتْ حُجَّتُهُ قال: (لئن اتَّخَذْتَ إلهاً غَيْرِي لاجعلنَّكَ مِنَ المسجُونيَنَ. قالَ أَوَ لَوْ جئتكَ بشيءٍ مُبينٍ. قالَ فأتِ بهِ إن كنْتَ مِنَ الصَّادقينَ فَألقى عَصَاهُ فإذا هَي ثُعْبانٌ مبينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فإذا هيَ بيْضَاءُ للناظرينَ) آيتان عظيمتان في انقلاب اعيانهما، وإنما كانت الآية في العصا؛ لأنها أنزلت على آدم بسبب الكلب لما نبح عليه لما تعاظمت دعوى فرعون قوبل بها إهانةً له واستحقاراً، وكونها ظهرت في صورة ثعبانٍ مناسب لحاله؛ لأن مسها لين وفعلها قاتل. وفرعون بإظهار كرمهِ وعدلهِ لينٌ وفعله قاتلٌ لنفسهِ وغيرهِ. فأما يدهُ البيضاءُ فالإشارة فيها جئتكَ بالشرع النير الأبيض الذي لا ظلمةَ فبه، كما قال رسول الله (جئتكم بها بيضاءَ نقية). ولما كانت آية موسى عليهِ السلامُ حِسِّيةً، ومعجزاتهُ مرئيةً لم يخاطبهمْ بالحجةِ العظمى؛ لأنها عقلية، ولما همُّوا بقتلهِ الهم اللهُ سبحانهُ مؤمنَ آلِ فرعون الحجة العظمى فقال: (أتقتلونَ رجلاً أنْ يقولَ رَبِّيَ اللهُ وقدْ جَاءَكُمْ بالبيناتِ من رَبِّكُم وإنْ يَك كاذباً فعليهِ كَذِبُهُ وَإنْ يَكُُ صادِقاً يِصبْكُمْ بعضُ الذي يعدُكُم) وقد شرحنا ذلك في كتاب الحجة العظمى. وأما جدال رسول الله لكفار قريش واليهود فسيأتي في ذكر الأدلة الدالة على صِدْق رسالته.

الباب الرابع: في ذكر الأدلة على وجود الصانع سبحانه

في ذكر الأدلة على وجود الصانع سبحانه: أاعلم أنها لا تحصى لأن كل موجودٍ عن عدم فهو دليل على وجود موجدٍ كما قال سبحانه: (وَإنْ مِنْ شيءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) وذلك التسبيح إذعان لموجده وعبادةٌ لربه كما قيل:

وفي كلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ == تدلُّ على أنهُ الواحدُ

فأما أدلة الكتاب العزيز فمنها قوله تعالى: (أفَلاَ يَنْظُرُونَ إلى الإبلِ كيفَ خُلِقَتْ. وإلى السَّمَاءِ كيفَ رُفِعَتْ. وإلى الجبالِ كيفَ نُصبتْ. وإلى الأرضِ كيفَ سُطِحَتْ. فَذَكِّرْ إنما أنتَ مُذَكِّرٌ).

وقال تعالى: (ألم نجعلِ الأرضَ مِهَاداً. والجبالَ أوْتَاداً. وَخَلَقْنَاكمْ أزواجاً. وجعلنا نومَكُمْ سُبَاتاً. وجعلْنَا الليلَ لباساً. وجعلْنَا النهارَ معاشاً. وَبَنَيْنَا فَوْقَكمْ سَبْعاً شِدَاداً. وجعلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً. وأنزلْنَا من المعصِرَاتِ مَاءٍ ثجاجاً. لنُخرِجَ بِهِ حَبّاً ونباتاً. وجَنَّاتٍ ألفافاً). وصرف سبحانه هذه الكلمات في كتابه العزيز وصرف هذه الأدلة منها الدلالة على وجوده وقدرته وحكمته، وأنه لا مشارك له ولا معاضد ولا مغالب فقال: (أأنُتمْ أشدُّ خلقاً أم السَّماءُ بناهَا. رَفَعَ سَمْكَهَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير