قال سبحانه وتعالى: (ويتفكرونَ في خلقِ السموات والأرضِ ربَّنَا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانَكَ فقِنا عذابَ النَّارِ).
فصل:
وقد حصلت معرفة الله سبحانه لقوم مخصوصين من طريق آخر وهم الملائكة وما جرى لهم من سؤال وجواب. وفي قصة إبليس كفاية له عن التنويع فيما يقيس والتجنيس، وحصل العلم اليقيني لآدم فيما حدث من أمره وتقادم فاستسلم وسالم. والأنبياءُ مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي الكل عرفوا الصانع معرفة اليقين، منهم المرسلون ثلثمائة وثلاثة عشر أغنى عيان الآيات عندهم عن الخبر، ففي نوحٍ ودعوته ونجاة أهل سفينته، وفي إبراهيم وناره وحياة أطياره، ويوسف وبراءته بشهادة غلامه وإجابته في قضاء حاجاته وإهلاك عدوه من جميع جهاته، ويونس وحوته، وزكريا وسكوته، ومريم وابنها، آياتٌ بيناتٌ، ويتبع هذا الجمع جمعٌ لا تُحَدُّ لهم كثرة كلهم أخبر عن وجود إلهٍ واحدٍ قادرٍ مريدُ عالمٍ حيٍّ. والأنبياءُ وأتباعهم هم حجج الخلق وعلماؤهم وأعيان العلماء ونبلاؤهم.
ولو لم يكن هناك دليل على وجود الإله سوى اتفاقهم على وجوده بالصفات المذكورة كان ذلك كافباً في حصول العلم واليقين بخبرهم إذ كانوا جميعاً لا يُتَصَوَّرُ التواطُؤ منهم على الكذب واللهُ الهادي بفضلهِ.
الباب الخامس: في ذكر الأدلة على أنه واحدٌ سبحانه
ذكر الأدلة على أنه واحدٌ سبحانه. ومن حيث ثبت أنه موجود بصفة الوجوب ثبت أنه واحدٌ؛ لأن الصنعة مفتقرة إلى الصانع وليست مفتقرة إلى ما زاد على الصانع، فصار وجود ما زاد على الصنعة جائزاً والجائز الوجود لا يجوز أن يكون إلهاً مبدعاً قديماً. وأما أدلة الكتاب العزيز فكثيرة:
من ذلك قوله تبارك وتعالى: (لو كانَ فِيْهِمَا آلهةٌ إلاَّ اللهُ لفسدَتَا) وهذا الدليل معتمد أرباب الكلام من أهل الإسلام، وقد نقل عن بعض علماء السلف أنه قال: نظرت في سبعين كتاباً من كتب التوحيد فوجدت مدارها على قوله تعالى: (لو كانَ فِيْهِمَا آلهةٌ إلاَّ اللهُ لفسدَتَا).
دليل آخر في سورة المؤمنين قوله تعالى: (ما اتخذَ اللهُ مِنْ ولدٍ وما كان مَعَهُ من إلهٍ إذاً لذهبَ كُلُّ إلهٍ بما خلقَ ولعلاَ بعضُهُمْ على بعضٍ سبحانَ اللهِ عمَّا يصفُونَ) وفي الكلام حذفٌ وتقديره ولو كان معه آلهةٌ وإنما حذف للإيجاز. والإيجاز مستحسنٌ في كل مكان وههنا اكمل حسناً لئلاَّ يتكرر ذكر الإله؛ لأنه إبطالٌ على تقدير، وإنما ذهب كل إلهٍ بما خلق لأجل طلب الاستعلاء بالعلو والقدرة، وذلك منشأ المخالفة والمنافسة والتغالب والمغلوب لا يكون إلهاً.
دليل آخر، قوله سبحانه: (قُلْ لو كانَ معهُ آلهةٌ كما يقولونَ إذاً لابتغَوا إلى ذي العرشِ سبيلاً) ومعناه أن الآلهة تطلب المنازعة والمخالفة في المراد فحينئذٍ يقع الفساد إذ يريد أحدهما حياة شخص ولآخر موته، أو إسعاده والآخر إشقاءَه، فإن قيل الشبهة على هذه الأدلة من وجهين:
أحدهما: يجوز أن يكون اثنان تتفق إرادتهما فلا يقع خلاف فلا يقع فساد.
الشبهة الثانية: قالوا لما رأينا وجود الشيء وضده من الموت والحياة، والنور والظلمة، والخير والشر، وما يقتضي الحكمة وينافيها من النقض بعد البناء والعجز بعد القوة، جاز أن ينسب إلى مدبرين اثنين.
والجواب عن الشبهة الأولى: استحالة الإرادة وجود اثنين لا تنفك ارادة أحدهما عن إرادة الآخر متكافئين في العلم والقدرة والإرادة والحكمة والتدبير على وجهٍ لا تتقدم صفة الآخر في الأعيان والأذهان فإذا هما واحدٌ سموه اثنين.
والجواب عن الشبهة الثانية: أن صدور الشيء وضده أدل على قدرة الصانع، وقد نبه سبحانه على ذلك في عدة مواضع من الكتاب العزيز من ذلك قوله تعالى: (تُسْقَى بماءٍ واحدٍ ونفضِّلُ بعضَهَا على بعضٍ في الأُكُلِ).
الباب السادس: في ذكر أدلة البعث في الكتاب العزيز
ذكر أدلة البعث في الكتاب العزيز: وهي كثيرة من ذلك:
قوله تعالى: (ويقولُ الإنسانُ أإذا ما مِتُّ لسوفَ أُخْرَجُ حَيَّاً. أوَ لاَ يذكَرَ الإنسانُ أنَّا خَلَقْنَاُه مِنْ قَبْلُ ولم يَكُ شَيئاً).
¥