قوله عز وجل: (ولا تهنُوا في القومِ إنْ تكونوا تألمونَ فإنَّهم يألمونَ كما تألمونَ وترجونَ من اللهِ مَا لا يرجونَ) ومعناه: التحريض على القتال والتسلية لما اصاب من مكروهٍ بالتساوي في الألم، والمزيةُ لكم عليهم بما ترجون من ثواب الله تعالى، فأنتم أَوْلى بطلبهم وأحرى بالصبر على المكروه من جهتهم.
ومن الترجيح قوله تعالى: (أفمنْ يهدي إلى الحقِّ أحقُّ أن يُتَّبَعَ أمنْ لا يَهِدِّي إلا أَنْ يُهدَى فما لكم كيف تحكمونَ).
ومن الترجيح أيضاً قوله تعالى: (قلِ الحمدُ للهِ وسلامٌ على عبادهِ الذينَ اصطَفَى آللهُ خيرٌ أمَّا يشركونَ) في خمسِ مراتٍ أمّنْ.
ومن الترجيح قوله تعالى: (أفمنْ أسَّسَ بنيانَهُ على تَقْوَى مِنَ اللهِ ورضوانٍ خَيْرٌ أَمنْ أسَّسَ بنيانَهُ على شفا جُرُفٍ هارٍ فَانهارَ به في نارِ جهنَّم واللهُ لا يهدي القومَ الظالمينَ).
ومن الترجيح قوله تعالى: (يا صاحبيَ السِّجنِ أأربابٌ متفرقونَ خيرٌ أمِ اللهُ الواحدُ القهارُ) وذلك لما تقرر أن الاثنين لا بد من وجود الفساد منهما لوقوع الاختلاف بينهما.
ومن الترجيح المذكور في الحجة العظمى (فأيُّ الفريقينِ أحقُّ بالأمنِ).
فصلٌ:
في المفهوم وهو ينقسم قسمين مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة، فالموافقة متفقٌ عليه لقوله تعالى: (فلا تقلْ لهما أفٍ) فمفهومه تحريم الضرب والسب؛ لأن التأفيف دون ذلك. وكذلك قوله تعالى: (ومِنْ أهلِ الكتابِ مَنْ إنْ تأمنْهُ بقنطارٍ يؤدِّه إليكَ ومنْهم مَنْ إنْ تأمنْه بدينارٍ لا يؤدِّهِ إِليكَ إلا ما دمتَ عليهِ قائماً) ولا يخفى أن من يؤدي القنطار يؤدي ما دونه ومن يخون في دينارٍ يخون فيما فوقه، ويسمى ذلك فحوى الخطاب. ومفهوم المخالفة كقوله تعالى: (ما دمتَ عليهِ قائماً) فمفهومه إن لم يكن عليه قائماً لم يؤده إليك، ومن الناس من يقول: ليس هو بحجةٍ لقوله تعالى: (فمنِ افْتَرى على اللهِ الكذبَ من بَعْدِ ذلكَ فأولئكَ همُ الظالمونَ)، ومعلومٌ أن من افترى على اللهِ الكذب فهو من الظالمين قبل الرسالة وبعدها وقبل نزول الكتاب وبعده.
فصلٌ:
وقد سمى الله سبحانه الشُبه التي أوردها الكفار أمثالاً، فقال تعالى: (وقالوا ما لهذا الرسولِ يأكلُ الطعامَ ويمشي في الأسواقِ لولا أُنزل إليه مَلَكٌ فيكونَ مَعَهُ نذيراً. أو يُلْقَى إليه كنزٌ أو تكونُ له جنَّةٌ يأكلُ منها وقالَ الظالمونَ إنْ تتبعونَ إلاَّ رَجُلاً مسحوراً)، فكانَ الجواب: (انظرْ كيفَ ضَرَبُوا لكَ الأمثالَ فضلٌّ فلا يستطيعونَ سبيلاً)، وهذا جواب جدل يتضمن فساد ما تمسكوا به من الشُّبَهِ المذكورة؛ لأنهم قالوا إنه مسحورٌ والمسحور مبلبل الفكر ذاهب الرأي فكيف يكون معه ملكٌ أو يلقى إليه كنزٌ، ثم جاءَ الجواب الآخر: (وما أرسلْنا قبلكَ مِنَ المرسلينَ إلاَّ إنَّهم ليأكلونَ الطعام ويمشونَ في الأسواق). فأما ما اقترحوه من الآيات في هذا الموضع وفي غيره فالجواب عنه مذكور في عدة مواضع، منها:
قوله تعالى: (وما مَنَعَنَا أنْ نرسِلَ بالآياتِ إلاَّ أنْ كَذَّبَ بها الأولونَ)،
وقال في موضع آخر: (وقالوا لولا أُنْزِلَ عليهِ مَلَكٌ ولو أنزلْنَا مَلَكَاً لقُضِيَ الأمرُ ثم لا يُنْظَرَونَ).
ومثله قوله تعالى: (ولما وقعَ عليهمُ الرِّجْزُ قالوا يا مُوسى ادعُ لنا ربَّكَ بما عَهِدَ عندَكَ لئنْ كشفتَ عَنَّا الرجزَ لنؤمننّ لك ولنرسلنَّ معكَ بني إسرائيل. فلما كشفْنَا عنهُم الرجزَ إلى أجلٍ هم بالغوهُ إذا هم ينكُثُونَ. فانتقمْنَا منهمْ فأغرقْنَاهم في اليمِّ بأنَّهم كذَّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلينَ).
والفرق بين الآيات الداله على صدق الرسل عليهم السلام المقترحات من الأمم وبين الآيات التي تبتكرها الأنبياء أن المقترحات لم تبق لهم عذراً في ترك الإيمان بعد الإتيان بها، إذ هي بمنزلة المشاهد الذي أجاز الخصم شهادته عليه، فإذا رد وجحد فقد عاند وصد فاستحق تعجيل الإنزال به، بخلاف سائر الآيات فإنها وإن كانت أدلةٌ إلا أن للناظر فيها فسحة النظر ومهلة التأمل، فلهذا لم يعجل عقابه وهذا المعنى دل عليه قوله تعالى: (ولو أنَّا أهلكناهُمْ بعذابٍ مِنْ قبْلِهِ لَقَالُوا ربَّنا لولا أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُلاً فنتبعَ آياتِكَ من قبلِ أن نَذِلَّ ونَخزَى).
فصلٌ:
¥