وأما الرازي وأمثاله فقد زادوا في ذلك على المعتزلة، فإن المعتزلة لا تقول إن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين، ويستدلون بها [6] ( outbind://1-0000000032391AE8968F9D46A7224DBCFDF9CCC3E40D2000/#_ftn6) أعظم مما يستدل به هؤلاء. [7] ( outbind://1-0000000032391AE8968F9D46A7224DBCFDF9CCC3E40D2000/#_ftn7)
ويلاحظ أن هذه الشروط التي اشترطها يستحيل تحقق بعضها منفردا ً، فكيف يتيقن حصول الأمور العشرة مجتمعة.
وهذه الشروط ما وضعها إلا لتأييد قانونه الكلي، وسبق [8] ( outbind://1-0000000032391AE8968F9D46A7224DBCFDF9CCC3E40D2000/#_ftn8) أن تقسيمه في هذا القانون ناقص ولا يشمل كل الاحتمالات.
ولا يسلم للرازي وأمثاله أيضا ً أن العقل أصل النقل، وإنما العقل دلنا على النقل، ودلنا على عصمة الشرع، ولا يدل العقل على عصمة نفسه، لذا لا بد أن يقلب دليل الرازي عليه،ويقال:
إن تقديم العقل على الشرع قدح في العقل نفسه، لأن العقل دلنا على عصمة الوحي ولم يدلنا على عصمة نفسه، فتقديم ما ليس بمعصوم ـ وهو العقل ـ على ما هو معصوم ـ وهو الوحي ـ طعن في الوحي والعقل جميعا ً.
يقول ابن أبي العز الحنفي:
وما أحسن المثل المضروب للنقل مع العقل، وهو: أن العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، بل هو دون ذلك بكثير، فإن العامي يمكنه أن يصير عالما، ولا يمكن للعالم أن يصير نبيا رسولا، فإذا عرف العامي المقلد عالما، فدل عليه عاميا آخر. ثم اختلف المفتي والدال، فإن المستفتي يجب عليه قبول قول المفتي، دون الدال، فلو قال الدال: الصواب معي دون المفتي، لأني أنا الأصل في علمك بأنه مفت، فإذا قدمت قوله على قولي قدحت في الأصل الذي به عرفت أنه مفت، فلزم القدح في فرعه! فيقول له المستفتي: أنت لما شهدت له بأنه مفت، ودللت عليه، شهدت له بوجوب تقليده دونك، فموافقتي لك في هذا العلم المعين، لاتستلزم موافقتك في كل مسألة، وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك، لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفت، هذا مع علمه أن ذلك المفتي قد يخطئ.
والعاقل يعلم أن الرسول معصوم في خبره عن الله تعالى، لا يجوز عليه الخطأ، فيجب عليه التسليم له والانقياد لأمره، وقد علمنا بالاضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو قال للرسول: هذا القرآن الذي تلقيه علينا، والحكمة التي جئتنا بها، قد تضمن كل منهما أشياء كثيرة تناقض ما علمناه بعقولنا، ونحن إنما علمنا صدقك بعقولنا، فلو قبلنا جميع ما تقوله مع أن عقولنا تناقض ذلك لكان قدحا في ما علمنا به صدقك، فنحن نعتقد موجب الأقوال المناقضة لما ظهر من كلامك، وكلامك نعرض عنه، لا نتلقى منه هديا ولا علما، لم يكن مثل هذا الرجل مؤمنا بما جاء به الرسول، ولم يرض منه الرسول بهذا، بل يعلم أن هذا لو ساغ لأمكن كل أحد أن لا يؤمن بشيء مما جاء به الرسول، إذ العقول متفاوتة، والشبهات كثيرة، والشياطين لا تزال تلقي الوساوس في النفوس، فيمكن كل أحد أن يقول مثل هذا في كل ما أخبر به الرسول وما أمر به!! وقد قال تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ} [9] ( outbind://1-0000000032391AE8968F9D46A7224DBCFDF9CCC3E40D2000/#_ftn9) وقال: {فهل على الرسل إلا البلاغ المبين} [10] ( outbind://1-0000000032391AE8968F9D46A7224DBCFDF9CCC3E40D2000/#_ftn10) وقال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} [11] ( outbind://1-0000000032391AE8968F9D46A7224DBCFDF9CCC3E40D2000/#_ftn11).
وقال تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} [12] ( outbind://1-0000000032391AE8968F9D46A7224DBCFDF9CCC3E40D2000/#_ftn12). { حم والكتاب المبين} [13] ( outbind://1-0000000032391AE8968F9D46A7224DBCFDF9CCC3E40D2000/#_ftn13)
وقال تعالى: {تلك آيات الكتاب المبين} [14] ( outbind://1-0000000032391AE8968F9D46A7224DBCFDF9CCC3E40D2000/#_ftn14)
وقال الله تعالى: {ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [15] ( outbind://1-0000000032391AE8968F9D46A7224DBCFDF9CCC3E40D2000/#_ftn15)
¥