" وهو مصدر المصادر لدى ابن تيمية، وحجر الزاوية في فكره، فحوله يدور، وعليه يشير، وإليه يتجه، نحوه ينحو، ولقد أثر في تكوين فكره تأثيرا ً ما بعده تأثير، إذ كان الشغل الشاغل لحياته لكها: حفظا ً، ومدارسة، وتفسيرا ً، حتى ليعتبر نتاج ابن تيمية الفكري كله عملا ً من أعمال التفسير، فهو يتسائل دائما ً عن المقتضيات اللغوية، أو التاريخية، أو النفسية، لكل نص قرآني، لأنه إنما يريد أن يتوصل إلى معرفة حقيقة الهداية النبوية، مما يسوغ لنا أن نلقبه بالرجل القرآني.
ولا عجب من هذه المكانة التي تبوأها القرآن لدى الإمام، فهو حبل الله المتين، وكتابه المبين، ما فرّط الله ـ تبارك وتعالى ـ فيه من شيء، فما من مسألة من المسائل الكلامية والفلسفية والعقائدية خاض فيها الخائضون إلا وكان القرآن قد أوضحها كما يرى ابن تيمية ". [11]
ومن طالع كتاب التدمرية لشيخ الإسلام يعرف هذا ضرورة، فما من مسألة كبيرة أو صغيرة إلا وقد استدل لها من كتاب الله تعالى.
2 ـ السنة النبوية:
" وهي المادة الخصبة التي بنى عليها ابن تيمية أبحاثه، واستخرج منها الأدلة ووجوه الاستنباط، إذ صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم لتبين القرآن، فهي مبثابة المذكرة التفسيرية للقرآن.
لذلك يقوم نهج الإمام في المعرفة، والبحث في أصول الدين، وفي المناظرات والجدل، على الاعتماد على القرآن، وعلى ما صح عنده من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ...
وهو يقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين الدين كله: أصوله وفروعه، باطنه وظاهره، علمه وعمله، ويعتبر هذا الأصل هو أصول العلم والإيمان، وكل من كان أعظم اعتصاما ً بهذا الأصل، كان أولى بالحق علما ً وعلما ً" [12].
فلا تعجب أن ترى العمدة لدى شيخ الإسلام الكتاب والسنة، وقد امتلئ كتابه بهما، فهما الأصلان اللذان فيها العصمة لا فيما سواهما.
ثانيا ً: المصادر الخاصة:
1 ـ كتب المخالفين:
وذلك لنقله عنهم وحكايته لمعتقداتهم على وجه فيه نوع من التفصيل، وهذا يبعد ألا يكون رجع لها واطلع عليها، لا سيما وأنه صرح في بعض كتبه بالنقل عنهم مثل كتابه درء تعارض العقل والنقل، فكثيرا ً ما يورد نقولا ً لأئمة الأشاعرة مثل الباقلاني، والجويني، والرازي، وغيرهم.
وأيضا ً في كتبه الأخرى نقولا ً عن المعتزلة لا سيما القاضي عبد الجبار وهو إمام لهم.
وكذلك نقولاته رحمه عن الفلاسفة و الباطنية كما في بغية المرتاد، والإستقامة، والصفدية وغيرها.
ففي كل هذه الكتب السابقة جاء التصريح بالنقل عنهم مباشرة.
2 ـ كتب السلف المتقدمة في الاعتقاد:
وذلك على سبيل المثال شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، وأيضا ً الأسماء والصفات للبيهقي، وغيرهما.
وهذا في عدة أمثلة، منها على سبيل المثال: الأثر المشهور المستفيض عن ربيعة الرأي، وتلميذه الإمام مالك بن أنس رحمهما الله لما سئلوا عن الاستواء فكان الجواب أن " الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة ". [13]
3 ـ كتب التفسير المسندة:
مثل تفسير ابن جرير الطبري، فعلى سبيل المثال أورد شيخ الإسلام حديثا ً موقوفا ً على ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء) وهذا الأثر أخرجه ابن جرير في جامع البيان، وأورده السيوطي كذلك في الدر المنثور، وغيرهما من أصحاب التفاسير المسندة التي اعتمدت التفسير بالمأثور. [14]
ومن الأمثلة أيضا ً لكتب التفسير قال شيخ الإسلام:
وجمهور سلف الأمة وخلوفها على أن الوقف عن قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله) وهذا هو المأثور عن أبي بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم.
وروي عن ابن عباس أنه قال: التفسير على أربعة أوجه، تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله من ادعى علمه فهو كاذب.
وقد روي عن مجاهد وطائفة أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله، وقد قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته، أقف عند كل آية وأسأله عن تفسيرها.
فهذان الأثران أخرجهما ابن جرير في تفسيره، كما أورد الأثر الأول ابن كثير في تفسيره. [15]
¥