وهذه المقارنة تبين الباطل الذي عند المخالفين بإثبات الحق الذي جاءت به الرسل.
وفي هذه الأمثلة ما يغني لبيان منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في التدمرية، ولو أردنا الحصر لاحتجنا الوقوف عند كل مسألة من مسائل الكتاب.
فالخلاصة أن شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كان يستخدم منهج المقارنة تارة، ومنهج التحليل والنقد تارة أخرى، ويجمع بين المنهجين في أغلب الأحوال، فيذكر المنهج الحق ثم يقارنه ببقية المذاهب بشكل مرتب لكي تتضح المقارنة، ولا يتجاوز المذهب المخالف إلا بعد هدم بنيانه بالحجج والبراهين وإظهار ما فيه من الاضطراب.
2ـ نفي التعارض بين العقل والنقل، وتقديم النقل حال توهم المعارضة:
وهذا لم يتكلم أحد في الدنيا مثلما تكلم به شيخ الإسلام ابن تيمية، ولا أوضح من كتابه درء التعارض بين العقل والنقل.
3ـ وضع القواعد العامة التي تنبّه عن الوقوع في الخطأ:
وهذا مثل بيانه أن الاتفاق في المسميات لا يوجب التشابه في الصفات.
4 ـ إلتزامه التمثيل للقواعد التي يذكرها:
مثل تمثيله للجهة والحيز في القاعدة الثانية، وتمثيله للعلو والاستواء في القاعدة الرابعة.
5ـ مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم:
مثل استخدامه مصطلح: واجب الوجود، شهود السوى، وحدة الوجود، وحدة الشهود ... وغيرها.
وهذا منهج دائم لشيخ الإسلام رحمه لأن المتكلم إذا خوطب بغير اصطلاحه قد تتخلف المصلحة، وقد صرح بهذا في كتابه درء تعارض العقل والنقل، فقال: وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه إذا احتيج لذلك وكانت المعاني صحيحة، كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم فإن هذا جائز حسب الحاجة. [38]
6ـ تقويم بعض المسائل التي فيها خلط أو خطأ:
وهذا في موضع كثيرة مثل مسألة التحسين والتقبيح العقليين، وكذلك توحيد العبادة عند المتكلمين والصوفية في الأصل الثاني، ومعنى الشهادة أيضا ً عند بعض الفرق.
7 ـ الجمع بين نصوص الكتاب والسنة:
وهذا مبني على القاعدة الثانية، فشيخ الإسلام دائما ً يجمع بين النصوص وينفي عنها التدافع والتعارض.
8 ـ ترك الألفاظ المجملة والتزام الألفاظ الشرعية:
وهذا مثل لفظ الظاهر والجهة وغيرها عندما قال شيخ الإسلام: لفظ الظاهر فيه إجمال واشتراك.
9 ـ الأخذ بظواهر النصوص:
وقد نافح عنها ودائما ما يتكلم عن هذا الأصل العظيم عندما يناقش مسألة العقل والنقل.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهرا ً، ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفرا ً وباطلا ً، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر من إلا ما هو كفر وضلال .... [39]
10 ـ الاعتماد على الصحيح من السنة:
فحال شيخ الإسلام كحال السلف لا يعتمدون على الضعيف أبدا ً، وإن أوردوه فهو للإعتضاد لأنهم أوردوا قبله الصحاح.
11 ـ العمل بخبر الآحاد في العقيدة:
فقد أبطل وفند شيخ الإسلام ابن تيمية من زعم عدم الأخذ بالآحاد أو أنها ظنية لا تفيد الثبوت مطلقا ً، ويطهر هذا في كتابه العظيم درء التعارض بين العقل والنقل.
12ـ الاستشهاد بالأدلة العقلية مع الأدلة النقلية:
فكم من مرة يقول فيها شيخ الإسلام فهذا لم يدل عليه عقل ولا نقل صحيح، وكذلك مناقشته للأشاعرة فيما نفوه من الصفات الخبرية بالعقل، بأدلة عقلية مثل أدلتهم.
13 ـ رفضه التأويل الكلامي:
وتكاد هذه القاعدة أن تكون من أعظم القواعد التي بينها شيخ الإسلام ابن تيمية في جل ِّ كتبه، فقد بين في رسالته التدمرية معنى التأويل في اللغة، وفي القرآن، وعند السلف، وعند الخلف، وفصل فيه أيما تفصيل. [40]
14 ـ الأسلوب العلمي في إقناع الخصم من وذلك بإيراد الاحتمالات على دليل المخالف حتى يسقط دليله أما الاحتمالات، ثم يجهز بدليله بعد إسقاط دليل المخالف.
ثانيا ً: السمات العامة:
1ـ كثرة الاستدلال في القرآن الكريم، وهذا واضح عندما ذكر طريقة الأنبياء والرسل في الإثبات والنفي للصفات.
2ـ الدقة في الحكم على الألفاظ:
مثل ما في القاعدة الثالثة: إن قال قائل: ظاهر النصوص مراد أو غير مراد؟ ومثل ما في القاعدة الثانية من الحكم على لفظ الجهة والحيز.
¥