ولم يكن المشركون يمتنعون عن تسمية الله بكثير من أسمائه، وإنما امتنعوا عن بعضها، وأيضا: فالله له الأسماء الحسنى دون السوأى، وإنما يتميز الاسم الحسن عن الاسم السيء بمعناه، فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي لا تدل على معنى لا تنقسم إلى حسنى وسوأى، بل هذا القائل لو سمى معبوده: بالميت والعاجز والجاهل، بدل الحي والعالم والقادر = لجاز ذلك عنده! فهذا، ونحوه قرمطة ظاهرة من هؤلاء الظاهرية الذين يدعون الوقوف مع الظاهر، وقد قالوا بنحو مقالة القرامطة الباطنية في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته، مع ادعائهم الحديث، ومذهب السلف، وإنكارهم على الأشعري، وأصحابه أعظم إنكار، ومعلوم أن الأشعري، وأصحابه أقرب إلى السلف، والأئمة، ومذهب أهل الحديث في هذا الباب من هؤلاء بكثير.
وأيضا: فهم يدعون أنهم يوافقون أحمد بن حنبل، ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن، والصفات، وينكرون على الأشعري وأصحابه، والأشعري وأصحابه أقرب إلى أحمد بن حنبل، ونحوه من الأئمة في مسائل القرآن والصفات منهم تحقيقا، وانتسابا،
أما تحقيقا: فمن عرف مذهب الأشعري وأصحابه، ومذهب ابن حزم، وأمثاله من الظاهرية في باب الصفات = تبين له ذلك، وعلم هو، وكل من فهم المقالتين أن هؤلاء الظاهرية الباطنية أقرب إلى المعتزلة، بل إلى الفلاسفة من الأشعرية، وأن الأشعرية أقرب إلى السلف، والأئمة، وأهل الحديث منهم.
وأيضا: فإن إمامهم داود، وأكابر أصحابه كانوا من المثبتين للصفات على مذهب أهل السنة والحديث، ولكن من أصحابه طائفة سلكت مسلك المعتزلة، وهؤلاء وافقوا المعتزلة في مسائل الصفات، وإن خالفوهم في القدر والوعيد.
وفي ص109 - 110: وهذه الجمل نافعة فإن كثيرا من الناس ينتسب إلى السنة، أو الحديث، أو اتباع مذهب السلف، أو الأئمة، أو مذهب الإمام أحمد، أو غيره من الأئمة، أو قول الأشعري، أو غيره، ويكون في أقواله ما ليس بموافق لقول من انتسب إليهم، فمعرفة ذلك نافعة جدا كما تقدم في الظاهرية الذين ينتسبون إلى الحديث، والسنة حتى أنكروا القياس الشرعي المأثور عن السلف، والأئمة ودخلوا في الكلام الذي ذمه السلف، والأئمة حتى نفوا حقيقة أسماء الله، وصفاته وصاروا مشابهين للقرامطة الباطنية بحيث تكون مقالة المعتزلة في أسماء الله أحسن من مقالتهم، فهم مع دعوى الظاهر يقرمطون في توحيد الله وأسمائه.
وقال الإمام ابن تيمية كما في جامع الرسائل 1/ 170 - 171: [بعد ذكره لأقوال ابن عربي، وأصحابه، ثم الغزالي في كتابَيه المضنون بهما على غير أهلهما، والفلاسفة] .. وقد يقرب من هؤلاء ابن حزم حيث رد الكلام، والسمع، والبصر، وغير ذلك إلى: العلم، مع أنه لا يثبت صفة لله هي: العلم، ويجعل أسماءه الحسنى إنما هي أعلام محضة! فالحي، والعالم، والقادر، والسميع، والبصير، ونحوه كلها أسماء أعلام لا تدل على الحياة، والعلم، والقدرة، وهذا يؤول إلى قول القرامطة الباطنية ونحوهم نفاة أسماء الله تعالى الذين يقولون:
لا يقال حي ولا عالم ولا قادر، وهذا كله من الإلحاد في أسماء الله، وآياته قال تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ} .. الخ. اهـ
وكلام ابن حزم المشار إليه في الفصل 3/ 124و128.
وقال في الرد على الأخنائي ص15: وقال ابن حزم الظاهري: السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة حرام، وأما السفر إلى آثار الأنبياء فذلك مستحب، ولأنه ظاهري لا يقول بفحوى الخطاب، وهو إحدى الروايتين عن داود الظاهري، فلا يقول إن قوله (فلا تقل لهما أف) يدل على النهي عن الضرب والشتم ولا إن قوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) يدل على تحريم القتل مع الغنى واليسار، وأمثال ذلك مما يخالفه فيه عامة علماء المسلمين، ويقطعون بخطأ من قال مثل ذلك، فينسبونه إلى عدم الفهم، ونقص العقل.
وانظر نحوه في الفتاوي 27/ 250.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى4/ 395:
¥