وقد طالعت أكثر كتاب " الملل والنحل" لابن حزم، فرأيته قد ذكر فيه عجائب كثيرة، ونقول غريبة، وهو يدل على قوة ذكاء مؤلفه، وكثرة اطلاعه، لكن تبين لي أنه جهمي جلد لا يثبت من معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل كالخالق، والحق، وسائر الأسماء عنده لا تدل على معنى أصلا كالرحيم، والعليم، والقدير، ونحوها، بل العلم عنده هو: القدرة، والقدرة هي العلم، وهما عين الذات، ولا يدل العلم على معنى زائد على الذات المجردة أصلا، وهذا عين السفسطة، والمكابرة.
وكان ابن حزم في صغره قد اشتغل في المنطق، والفلسفة، وأخذ المنطق عن محمد بن الحسن المذحجي، وأمعن في ذلك فتقرر في ذهنه بهذا السبب معاني باطلة، ثم نظر في الكتاب، والسنة، ووجد ما فيها من المعاني المخالفة لما تقرر في ذهنه، فصار في الحقيقة حائرا في تلك المعاني الموجودة في الكتاب، والسنة، فروغ في ردها روغان الثعلب، فتارة يحمل اللفظ على غير معناه اللغوي، ومرة يحمل ويقول: هذا اللفظ لا معنى له أصلا، بل هو بمنزلة الأعلام، وتارة يرد ما ثبت عن المصدوق كرده الحديث المتفق على صحته في إطلاق لفظ الصفات، وقول الذي كان يلزم قراءة قل هو الله أحد لأنها صفة الرحمن عز وجل فأنا أحب أن أقرأ بها، ومرة يخالف إجماع المسلمين في إطلاق بعض الأسماء على الله عز وجل، وفي كلامه على اليهود والنصارى، ومذاهبهم، وتناقضهم فوائد كثيرة، وتخليط كثير، وهجوم عظيم، فإنه رد كثيرا من باطلهم بباطل مثله، كما رد على النصارى في التثليث بما يتضمن نفي الصفات، وكثيرا ما يلعن، ويكفر، ويشتم جماعة ممن نقل كتبهم كمتَّى، ولوقا، ويوحنا، وغيرهم، ويقذع في القدح فيهم إقذاعا بليغا.
وهو في الجملة: لون غريب، وشيء عجيب، وقد تكلم على نقل القرآن، والمعجزات، وهيئة العالم بكلام أكثره مليح حسن. ومما عيب على ابن حزم فجاجة عبارته، وكلامه في الكبار. اهـ
وقال ابن كثير في البداية والنهاية 12/ 92: [بعد ما وصفه بـ: الإمام الحافظ العلامة .. ]
وكان ابن حزم كثير الوقيعة في العلماء بلسانه، وقلمه فأورثه ذلك حقدا في قلوب أهل زمانه، ـ إلى أن قال ـ والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريا حائرا في الفروع لا يقول بشئ من القياس لا الجلي، ولا غيره، وهذا الذي وضعه عند العلماء، وأدخل عليه خطأ كبيرا في نظره، وتصرفه.
وكان مع هذا من أشد الناس تأويلا في باب الأصول، وآيات الصفات، وأحاديث الصفات، لأنه كان أولا قد تضلع من علم المنطق أخذه عن محمد بن الحسن ... = ففسد بذلك حاله في باب الصفات.
وقال ابن القيم في أقسام القرآن ص152: وههنا أمر يجب التنبيه عليه غلط فيه أبو محمد بن حزم أقبح غلط فذكر في أسماء الرب تعالى الهوي بفتح الهاء، واحتج بما في الصحيح من حديث عائشة أن رسوله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى الهوي فظن أبو محمد أن الهوي صفة للرب! وهذا من غلطه رحمه الله، وإنما الهوي على وزن فعيل اسم لقطعة من الليل، يقال: مضى هوي من الليل على وزن فعيل، ومضى هزيع منه أي طرف وجانب، وكان يقول سبحان ربي الأعلى في قطعة من الليل وجانب منه، وقد صرحت بذلك في اللفظ الآخر فقالت: كان يقول سبحان ربي الأعلى الهوي من الليل".
قال أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري ـ عن ابن حزم: إنه غير موفق في كثير من مسائل الأسماء والصفات. ابن حزم خلال ألف عام 2/ 153.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[21 - 03 - 08, 07:28 ص]ـ
من مخالفات ابن حزم لمذهب اهل السنة
عبد الرحمن بن صالح السديس
قال ابن حزم في مراتب الإجماع ص12 - 15:
وإنما نعني بقولنا العلماء من حفظ عنه الفتيا من الصحابة والتابعين وتابعيهم وعلماء الأمصار وأئمة أهل الحديث ومن تبعهم رضي الله عنهم أجمعين.
ولسنا نعني أبا الهذيل ولا ابن الأصم ولا بشر بن المعتمر ولا إبراهيم بن سيار ولا جعفر بن حرب ولا جعفر بن مبشر ولا ثمامة ولا أبا [عفان] ولا الرقاشي ولا الأزارقة والصفرية ولا جهال الإباضية ولا أهل الرفض فإن هؤلاء لم يتعنوا من تثقيف الآثار ومعرفة صحيحها من سقيمها ولا البحث عن أحكام القرآن لتمييز حق الفتيا من باطلها بطرف محمود بل اشتغلوا عن ذلك بالجدال في أصول الاعتقادات ولكل قوم علمهم
ونحن وإن كنا لا نكفر كثيرا ممن ذكرنا ولا نفسق كثيرا منهم بل نتولى جميعهم حاشا من أجمعت الأمة على تكفيره منهم.
قلت: الحقيقة تعجب من كلامه رحمه الله لا تكفير، ولا تفسيق، وتولي لجميعهم ما هذه الرقة لأهل البدع، أين تلك الشدة المعهودة؟!
إلى أن قال:
ولسنا نخرج من جملة العلماء من ثبتت عدالته وبحثه عن حدود الفتيا، وإن كان مخالفا لنحلتنا بل نعتد بخلافه كسائر العلماء ولا فرق كعمرو بن عبيد ومحمد بن إسحاق وقتادة بن دعامة السدوسي وشبابة بن سوار والحسن بن حيي وجابر بن زيد ونظرائهم وان كان فيهم القدري والشيعي والإباضي والمرجيء؛ لأنهم كانوا أهل علم وفضل وخير واجتهاد ـ رحمهم الله ـ وغلط هؤلاء بما خالفونا فيه كغلط سائر العلماء في التحريم والتحليل ولا فرق.
قلت: وهذا خلط بين من نسب لبدعة هو منها بريء، وبين من تاب ورجع، وبين من هو من رؤوس الاعتزال.
هذا بسبب أن ابن حزم عنده نوع خاص من الإرجاء ليس عند غيره. فكما في باب الصفات يوافق أهل السنة في الظاهر ويوافق الجهمية في الباطن، فهو في باب الإيمان يوافق أهل السنة في الظاهر ويوافق المرجئة في الباطن. مع أنه شديد على المرجئة لكن بعض (وأقول بعض) خلافه معهم ظاهري فقط. وشيخ الإسلام قد مدحه بأنه أقرب من الأشعري في مسألة الإرجاء، وهذا لا يعني أنه سني فيها.
¥