أيضا هنا لا يمكن أن يقال: صدقت، و لا كذبت. فإذا قال لك قائل: لا تغفل. فإما أن تقول: سمعا و طاعة. و إما أن تقول: لا سمعا، و لا طاعة. إذن: النهي طلب الكف، و الأمر طلب الفعل.
4ـ الاستخبار:
الاستخبار يعني به: الاستفهام، لو قال لك قاءل: هل فخمت؟ لا يمكن أن تقول: صدقت و لا كذبت. و لكن تجيب بنعم أو لا.
الفائدة 73 تعقيب الشارح على تقسيم المؤلف
و هذا التقسيم الذي الذي ذكره المؤلف فيه شيء من القصور في الواقع، لكن الكتاب مختصر، و التقسيم الصحيح أن يقال: الكلام إما خبر أو إنشاء، فما صح أن يوصف بالتصديق أو بالتكذيب فهو خبر، و ما لا فهو إنشاء، هذا هو الضابط.
ثم الإنشاء ينقسم إلى: أمر و نهي و استفهام و تمنّ و ترج و عرض و تحضيض و دعاء و قسم، فالمؤلف رحمه الله اختصر.
الفائدة 74
الوجه الثاني: إلى تمن و عرض و قسم
و هذا هو الوجه الثاني من تقسيم الكلام، و لكنّ الحق أن هذا البيت تابع لما سبق، فالتمني و العرض و القسم من قسم الانشاء، فلا يحتاج أن نجعله من وجه آخر، فالمؤلف رحمه الله لم يحرر المقام كما ينبغي.
قوله رحمه الله (إلى تمن):
التمني داخل في الانشاء، يقول الفقير: ليت لي مالا فأتصدق منه.
هذا تمن، طلب، و يقول الجهل: ليتني عالم فأعلم الناس. هذا إنشاء، فكل تمن فهو إنشاء.
قوله (لعرض):
العرض أن تعرض على أخيك شيئا، تقول: ألا تتفضل عندي؟ هذا عرض، و قال إبراهيم للملائكة: ألا تأكلون، هذا أيضا عرض، و العرض هو ما يكون برفق و احترام، و التحضيض بالعكس يكون فيه إزعاج و قوة، فإذا قلت: هلا تدخل. فهذا يعني ما بقي علي إلا أن أضربك.
فأنت مثلا واقف عند الباب، قلت لك: الا تدخل. هذا عرض كلام لطيف.
فإذا قلت لك: هلا تدخل. فهذا تحضيض، أقوله لك، و قد احمرّت عيناي، فهو طلب بشدة و إزعاج، و كل من أقسام الانشاء.
الفائدة 75
رأي الشارح في تقسيم المصنف للكلام
1ـ قسم المؤلف الكلام إلى 4 أشياء: الخبر و الأمر و النهي و الاستخبار.
2ـ و قسمه أيضا إلى: تمن و عرض و قسم.
3ـ و قسمه إلى حقيقة و مجاز.
الحق أن البيت (ثم الكلام ثانيا قد انقسم ... إلى تمن و لعرض و قسم) تابع لما سبق، فالتمني و العرض و القسم من قسم الانشاء، فلا يحتاج أن نجعله من وجه آخر، فالمؤلف رحمه الله لم يحرر المقام كما ينبغي.
و الحق أن يقسم الكلام إلى خبر و إنشاء:
1ـ فالخبر ما يحتمل الصدق و الكذب.
2ـ بخلاف الانشاء.
الفائدة 76
الوجه الثالث: إلى مجاز و حقيقة
و ثالثًا إلى مجازٍ و إلى ... حقيقةٍ و حَدُّهَا ما اسْتُعْمِلا
ـيقول المؤلف رحمه الله: ينقسم الكلام إلى مجاز و حقيقة، فالمجاز اسم مكان من جاز يجوز، يعني: الانسان يتجوز من الحقيقة إلى المجاز.
الفائدة 77
هل الكلام ينقسم إلى حقيقة و مجاز؟
و هذا التقسيم قد نوزع فيه، و لم يكن معروفا في عهد الصحابة، و لا في عهد التابعين، و إنما برز في عهد تابعي التابعين، و اختلفت فيه الأقوال:
القول الأول
انتشر و توسع القول بالمجاز، و صاركل شيء يكون مجازا، حتى ادعى بعض علماء النحو أن كل اللغة مجاز، ليس فيها حقيقة!
و لا شك أن هذا القول قول باطل.
القول الثاني
أن جميع اللغة حقيقة، ليس فيها مجاز إطلاقا، كل الكلام حقيقة في مدلوله، و هذا هو اختيار شيخ الاسلام، وتلميذه ابن القيم، و تبعهما جماعة، و هم تبعوا جماعة سابقين.
القول الثالث
التفريق، فكلام الله ليس فيه مجاز، لأنه كله حق، و كذلك كلام الرسول صلى الله عليه و سلم إذا صح عنه باللفظ، فليس فيه مجاز، لأنه ككلام الله، و ما سوى ذلك ففيه مجاز.
الفائدة 78
حجة أصحاب القول الثالث
أن المجاز من أكبر علاماته صحة نفيه، و ليس في كلام الله و كلام رسوله صلى الله عليه و سلم الثابت عنه بلفظه احتمال للنفي، لا يمكن أن تنفي كلام الله، فقوله تعالى: (يريد أن ينقض) الكهف /77
لا يمكن أن نقول: لا يريد الجدار أن ينقض!.
فصاحب هذا القول يمنع من المجاز في القرآن، و في السنة الصحيحة، لأن من علامات المجاز البارزة صحة نفيه، و لا شيء يصح نفيه في كلام الله، و لا في كلام رسوله صلى الله عليه و سلم، الذي صح عنه بلفظه.
و إلى هذا ذهب كثير من المحققين:
¥