و منهم الشنقيطي رحمه الله صاحب كتاب "أضواء البيان"، فإنه رحمه الله له رسالة صغيرة اسمها: (منع المجاز في القرآن الكريم).
مناقشة هذا القول:
لكن حقيقة الأمر، أننا إذا قلنا بمنعه في القرآن وجب أن نقول بمنعه في اللغة العربية!
لأن القرآن نزل باللغة العربية، و إذا امتنع المجاز فيما ادعى أنه مجاز فيه فليكن ممنوعا في غيره أيضا، و تجويز الكذب على غير الله ورسوله لا يعني أنه لا يوجد المجاز في كلامهما، أي الله و رسوله إن ثبت المجاز.
الفائدة 79
الصحيح من هذه الأقوال الثلاثة:
هو ما اختاره شيخ الاسلام ابن تيمية من أنه لا مجاز في اللغة العربية، و أن جميع التركيبات و الكلمات في محلها حقيقة، لأنه لا يصح نفي مدلولها في محلها أبدا، و هذا هو علامة الحقيقة.
الفائدة 80
ما حد الحقيقة؟
و هل اختلف العلماء فيه؟
48ـ ....................... و إلى ... حقيقةٍ و حَدُّهَا ما اسْتُعْمِلا
49ـ من ذاك في موضوعه و قيل ما ... يجري خطابا في اصطلاح قُدِّما
قوله رحمه الله: حدُّها: أي حد الحقيقة.
و قد اختلف العلماء في تعريف الحقيقة فالذين قالوا: إن الكلام حقيقة و مجاز، اختلفوا في تعريف الحقيقة على قولين:
القول الأول
أن الحقيقة هي ما استعمل في حده، أو في موضوعه الذي جرى عليه اصطلاح المتكلم.
أي ما يجري خطابا في اصطلاح المتكلم، يعني: الحقيقة ما جرى به العرف.
القول الثاني
أنها ما استعمل في موضوعه الأصلي.
و بناء على هذا القول: فالحقيقة هي اللفظ المستعمل في مدلوله لغة بالموضوع الأصلي، و بناء عليه فهي لا تنقسم إلى حقيقة لغوية و عرفية و شرعية، و إنما الحقيقة لغوية فقط، فمااستعمل في موضوعه الأصلي فهو حقيقة، و ما استعمل في غير موضوعه الأصلي فهو مجاز، و إن كان حقيقة في عرف المتكلم، و على هذا فالحقيقة على هذا القول تنقسم إلى قسم واحد.
الفائدة 81
أثرهذا الخلاف و مثاله:
يظهر أثر هذا الخلاف في تعريف الصلاة:
فالصلاة عبادة ذات أقوال و أفعال معلومة مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
هل الصلاة حقيقة في هذا المعنى؟
إن قلنا: بالأول فنعم، و إن قلنا بالثاني فلا، الثاني الذي يقول لك: كل لفظ استعمل في غير معناه اللغوي فليس بحقيقة، هذا الثاني، و الأول يقول: كل لفظ استعمل في معناه حسب اصطلاح المتكلم فهو حقيقة، لأن الصلاة معناها في اللغة الدعاء فإذا استعملتها في الدعاء فهي حقيقة و إذا استعملتها في العبادة المعروفة كانت مجازا على القول الثاني، حقيقة على القول الأول، و على هذا تنقسم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام، لغوية و شرعية و عرفية:
اللغوية: ما استعمل في موضوعه اللغوي.
و الشرعية: ما استعمل في موضوعه الشرعي.
و العرفية: ما استعمل في موضوعه العرفي.
الفائدة 82
ما القول الأصح في تعريف الحقيقة؟
و هذا القول أصح بلا شك (أي انقسامها إلى لغوية و شرعية و عرفية):
1ـ فإذا تكلم العربي الجاهلي بكلمة، فعلى أي شيء نحملها؟
الجواب: بلا شك نحملها على المعنى اللغوي، لأن هذا هو حقيقة الكلام.
2ـ و إذا جاء حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم نحمله على الحقيقة الشرعية.
3ـ و إذا جاءك كلام من أهل العرف نحمله على الحقيقة العرفية.
الفائدة 73
أمثلة عن الحقيقة بأنواعها:
مثال 1
قال صلى الله عليه و سلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
فهل كلمة "صلاة" الواردة في الحديث حقيقة أو مجاز؟
الجواب: إن قلنا حقيقة، أخطأنا، و إن قلنا مجاز، أخطأنا!!
فالجواب: على الخلاف، فمن قسم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام، فالصلاة في رأيه حقيقة، و من قال: هي قسم واحد، يقول: مجاز.
مثال 2
الزكاة في اللغة: النماء، فإذا قيل: زكّ مالك، فمعناه: نمّه.
فإن كنت أريد: زكه. أخرج زكاته، صار مجازا على القول بأن الحقيقة ما استعمل في معناه اللغوي، و إذا قلت: زكّه. أخرج زكاته. صار حقيقة على القول الثاني.
و القول الثاني هو المتعين، و لذلك نقول:
كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم فإنه يحمل على الحقيقةالشرعية، و يقال: إنه مستعمل في حقيقته.
مثال 3
الحقيقة العرفية: هي ما استعمل في معناه العرفي.
كلمة "شاة" في اللغة العامة، تطلق على ما سوى البقر و الإبل من بهيمة الأنعام.
¥