- ونسب بالعرض: كالنسب بين الإخوة وبني الأعمام.
وفلان نسيب فلان، أي: قريبه.
وتستعمل "النسبة" في مقدارين متجانسين بعض التجانس، يختص كل منهما بالآخر (6).
وقال الفيومي في المصباح المنير: " ... ، ثم استعمل النسب وهو المصدر في مطلق الوصلة بالقرابة، فيقال: بينهما نسب، أي: قرابة ... ، ومن هنا: استعير النسبة في المقادير، لأنها وصلة على وجه مخصوص، فقالوا: تؤخذ الديون من التركة والزكاة من الأنواع بنسبة الحاصل، أي: بحسابه ومقداره، ونسبة العشرة إلى المائة: العشر، أي: مقدارها: العشر، والمناسب: القريب، وبينهما مناسبة، وهذا يناسب هذا، أي: يقاربه شبهًا، ونسب الشاعر بالمرأة ينسب -من باب ضرب- نسيبًا: عرَّض بهواها وحبها". أهـ (7).
ثانيًا: "علم النسب" في الاصطلاح:
قال حاجي خليفة في كشف الظنون: علم الأنساب: وهو علم يتعرّف منه أنساب الناس، وقواعده الكلية والجزئية، والغرض منه: الاحتراز عن الخطأ في نسب شخص" (8). ثم قال: "وهذا العلم مِن زياداتي على مفتاح السعادة، والعجب مِن ذلك الفاضل كيف غفل عنه مع أنه علم مشهور، طويل الذيل، وقد صنفوا فيه كتبًا كثيرة" (9).
أقول: قد نصّ طاش كبري زاده في مفتاح السعادة على أنّ "علم التواريخ" يدخل فيه العلم بالأنساب، لكنه -رحمه الله- لم يفرده على وجه الاستقلال (10).
وعرّفه عبد القادر بن محمد الطبري في عيون المسائل من أعيان الرسائل بقوله: "علم النسب" يبحث فيه عن اتصال الآباء بالأبناء.
وموضوعه: شعوب العجم وقبائل وأسباط بني إسرائيل.
وفائدته: بقاء التعارف.
واستمداده: من الكتاب والسنّة، وعِلم السِّيَر، والأخبار.
وحُكْمُه: أنه يفترض معرفة نسب رسول الله ?. ويفترض كفاية لمعرفة رواة الأثر، وحَمَلَة الشرع المطهّر. ويجب لصلة الأرحام ومعرفة قرابة النسب والرضاع" أهـ (11).
وقوله رحمه الله: "إنّ موضوعه: ... "إلخ، فيه إعواز، إذ إنه اقتصر على أنساب العجم وقبائل بني إسرائيل! وموضوع النسب أعمّ مَن ذلك".
وعرفه الآلوسي في بلوغ الأرب بأنه: "علم يتعرف به أنساب الناس" (12).
وعبارة حاجي خليفة والطبري أوفى بالمعنى. وتحليل عبارتهما يؤخذ منها أنّ علم النسب يقوم على أصلين:
الأول: المعرفة المجردة بأنساب الناس.
الثاني: معرفة قواعد النسب الكلية والجزئية.
مادة الأصل الأول يمكن استمدادها مِن كتب النسب المصنفة المطبوعة والمخطوطة، ومِن مشجرات الأنساب، وكُتب الرحلات، ومِن مصادر الاستمداد: القيام بالرحلات الميدانية وتتبع الأُسَر وأخبارها، والاستماع للرواة، كما تستمد مِن علم التاريخ والأخبار والتراجم والسِّيَر، وغير ذلك مِن مصادر الاستمداد.
أما مادة الأصل الثاني، فيمكن استمدادها مِن عدة علوم متنوعة، مدارها على العلوم الخادمة للكتاب والسنّة، مثل: علوم الحديث المتنوعة؛ ففيها قطعة صالحة من قواعد هذا الفن، وعلم الفقه والخلاف، وعلم اللغة، وعلوم العقائد. فإنّ مَن استقرأ هذه العلوم خرج بجملة وافرة من قواعد هذا الفن، فمجرد المعرفة والنقل من كتب الأخبار والنسب لا تكفي لتصحيح الأنساب والكلام فيها، بل لا بد من استمداد الناسب ما يكفيه مِن مواد الأصل الثاني، كتابًا وسنّة وما يخدمهما.
ولذا، فما قام الدليل على بطلانه من الكتاب أو السنّة لا يقبل، ولو قاله مَن قاله مِن النسابين، وذلك مثل القول بنظرية "الطوطم" وما يتعلق بها، و"النسب الأمومي". ومِن هذا الجنس ما تحيله بدائه العقول والفِطَر السليمة؛ كمن يثبت بعض الأنساب من جهة ما يعرف بـ"أخبار المعمرين"، وهو واد مِن أودية الضلال، زلّت فيه أقدام، فسقطت على أمّ رأسها، وضاع سعيها، نعوذ بالله مِن الخذلان.
ويؤخذ من التعريف المتقدم أنّ أسعد الناس حظًّا به هم أهل الفقه، فإنهم أعلم الناس بقواعد النسب الشرعية، وهي المطلب الرئيس في هذا العلم، فإن رُزِق الفقيه سعادة، ووُفّق للاستبحار والتوسع في العلوم الأخرى التي يستمد منها علم النسب قواعده، كان كلمة إجماع في النسب، ولهذا نجد الناس يلجأون عبر مر العصور والأجيال إلى الفقهاء إذا جدّت عندهم نوازل النسب، وذلك لمسيس الحاجة إلى تأصيل الشرع.
وقد جرت العادة أنّ نوازل النسب من رباع الفقهاء وصفوهم، لا مدخل فيها لأحد مِن النسابين معهم، فهم أهلها، وأحق بها!
¥