تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اقترن حديث ابن خلدون عن علم التاريخ برؤية نقدية لمغالط وأخطاء المؤرخين بعد أن ذكر فن التاريخ، وفضائله، وتحقيق مذاهبه وأنه عزيز المذاهب، وجم الفوائد، وشريف الغاية. على إن تعميمه في اقتصار المؤرخين على سرد أسماء الملوك، ووصف المعارك، وإهمال الأحوال الاجتماعية الفاعلة في سير التاريخ ليس على إطلاقه؛ إذ أن جمهرة من المؤرخين كتبوا في جوانب الحياة الدينية والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، وهذا ما يعد توجها حضاريا لم يقف عند حد السياسة والحروب، ومعرفة تاريخية في ممارسة التدوين.

وفي منهج ابن خلدون أن من الأخطاء والمآخذ أن أئمة النقل لم يعرضوا الحكايات والوقائع على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم البصر والبصيرة. وضرب مثلا في البعد عن الواقعية في سرد الحقائق التاريخية والإغراب في الخيال إلى حد تزييف الخبر وتشويهه بما يذكر في أخبار التبابعة وخروجهم من قراهم باليمن إلى بلاد المغرب وأن أفريقيش من أعاظم ملوكهم الأُوَل في عهد موسى، على حد قول المؤرخين، وأنه غزا أفريقيّة، وبه سمّيت. وأنه أثخن في البربر، وأنه هو الذي سماهم بهذا الاسم وأبقى جماعة من حمْير تنتمي إليها صنهاجة (6).

وعرض ابن خلدون للطبري وسيف بن عمر والواقدي والمسعودي، وانتقد الواقدي والمسعودي، وساق شواهد تاريخية من أخبار المسعودي ظهر فيها الاعتماد على النقل دون تحكيم العقل، كبناء الإسكندرية، وكخبر تمثال الزرازير في روما، ورّد ما ذكره المسعودي عن عدد جيش بني إسرائيل وكثرته مستشهداً بما ذكره سيف عن جيش الفرس في القادسية وان بني إسرائيل لم يصلوا في يوم من الأيام إلى حجم دولة فارس التي حشدت أكبر قوة لها في تلك المعركة، ولم يصل عدد جيشها إلى نصف ما ذكره المسعودي عن جيش بني إسرائيل.

والتاريخ عند ابن خلدون علم من علوم الفلسفة موضوعه الاجتماع الإنساني؛ فهو يقتضي تعليل الحوادث وربط بعضها ببعض مع تمييز الخبر الصادق من الخبر الكاذب مع الترجيح بين الأسباب. وهو يصف التطور في البيئة الاجتماعية بكل ما فيها من سياسة وحرب وصناعة وتجارة وعلم وفن وحركات اجتماعية عامة أو دينية أو اقتصادية أو فكرية. ويتساوى في فهمه العلماء والجهال من حيث ظاهره، لكنه في باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة وعريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق.

والكذب متطرق للخبر بطبيعته بسبب التشيعات للآراء والمذاهب، وإذا كانت النفس على حالة من الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه وإذا خامرها تشيع لرأى أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة. وكثير من الناس يقبلون الأخبار المستحيلة ولم ينقدوها بمعرفة طبائع العمران، وهو أحسن الوجوه في تمحيص الأخبار وتمييز صدقها من كذبها، وهو سابق على التمحيص بتعديل الرواة حتى يعلم أن ذلك الخبر في نفسه ممكن أو ممتنع؛ فإذا كان الخبر في نفسه مستحيلا فلا فائدة للنظر في الجرح والتعديل.

وكثيرون من سامعي أخبار الماضين لا يفطنون لما وقع من تغير الأحوال وانقلابها، وأنها لا تدوم على وتيرة واحدة، فيجرونها على أول وهلة على ما عرفوا ويقيسونها بما شهدوا؛ وهذا من الجهل بالقوانين التي تخضع لها الظواهر الطبيعية- كما سلف- وعدم مراعاة البيئة الزمنية والتطور في الأشخاص والأوقات والأمصار (7).

المصادر والمراجع:

والمصادر التاريخية هي المصنفات القديمة في هذا المجال، أما الكتب الحديثة فهي مراجع. وهناك من يرى أن كلا النوعين مراجع، وأن المصادر هي الوثائق الرسمية والأوراق البردية والوقفية والنقوش والآثار المعمارية. ويرى الدكتور السيد عبد العزيز سالم أن المصادر إما مصادر أثرية كالمتقدمة الإشارة إليها، وإما مصادر مكتوبة كالقرآن الكريم والسنة النبوية وكتب الطبقات والأنساب وكتب الجغرافية وكتب الرحلات وكتب الخراج والحسبة والخطط والكتب الأدبية والشعر العربي.

أهم المآخذ على الكتابة التاريخية المبكرة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير