تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أهم المآخذ على الكتابة العربية المبكرة للتاريخ الإسلامي هو أن بعض الروايات نحت منحى التأكيد على الحط من شأن العرب إمّا مبالغة في محاولة إبراز محاسن الحياة الإسلامية المغايرة لما قبلها في كثير من مناحيها، وإما للوقوع تحت تأثير العصبية الجنسية. فامتلأت كتب التاريخ بقبائح العصر الجاهلي، وظهر في جانب آخر في الروايات الأولى منذ عبيد بن شريَّة الجرهمي ولع بتقسيم العرب في جاهليتهم إلى عاربة ومستعربة (8) ونسبة المحامد إلى الأولى، لغةً وتاريخاً وأدباً وحضارة، فيما يشبه الردة في عصر بني أمية إلى الحياة القديمة كأثر من آثار التمايز العربي الذي عرفه ذلك العصر لدواعي سياسية اجتماعية، أو نفره من استمرارية الخلافة بعد النبوة في قريش أو في المُضرية بوجه عام.

ويأتي في سياق ابن شريَّة، وهو أول القصاصين الكتبة، كعب الأحبار المتقدم عليه، ومن بعده وهب بن منبّه، وإلى الهَمْداني، ثم نشوان الحمْيري.

وأمر ثالث اعترى عملية التدوين التاريخي المتقدم وهو احتضان كثير من الرواة وأهل التصنيف للقصص الإسرائيلي وهذا ما ألقى ظلالاً كثيفة من الأساطير على التاريخ الإسلامي بصفة عامة والسيرة النبوية بصفة خاصة. وأغلب الروايات التي يتصل سندها بكعب الأحبار أو محمد بن كعب أو النعمان السبائي تحمل طابع القصص الإسرائيلي، وفي أغلبه دسٌّ على الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعلى الإسلام.

وفي المأخذ الأول اشتدت القسوة على أمة العرب حتى ليكاد الرواة يخرجون بالعرب في جاهليتهم عن الآدمية ولا يعدونهم في بني الإنسان، وظهرت الأمة بلا وزن في الأخلاق، حقيرة منذ بدايتها، جاهلة في نشأتها، ملطخ ماضيها بالسيئات. وللدكتور إبراهيم شعوط معالجة جيدة لدفع هذا الافتراء. وفي المأخذ الأخير اعتمدت أخبار السيرة على الخوارق غير الاعتيادية وضُخّمت صورتها قبل البعثة بحشد عدد من الإسرائيليات، مع أن كثيراً من وقائع السيرة وأخبارها ليست بحاجة إلى أن تُتَكلف فيها الشروح والتفاسير والتعليقات إذ هي أوضح من ذلك. وقد تناول هذا الموضوع الدكتور عماد الدين خليل في دراسة عن السيرة مشيراً إلى أن حاجة بعض المؤرخين إلى التكلف تناقض ما في آيات القرآن مما يكفي لرسم صورة صادقة لشخصية النبي، صلى الله عليه وسلم، وفيها قرائن وإشارات ودلالات عديدة تساعد على التعرف على نشأته وسيرته.

الإسرائيليات والدراسات الحديثة:

وإذا كانت النظرة المادية تقتل في السيرة روحها وتطمس شخصيتها فإن الواقعة التاريخية تتطلب دراستها بذاتها بعيداً عن الانسياق وراء الخيال القصصي الإسرائيلي والتهويل الأسطوري. على أن قطع الصلة بالغيب يجب توقيه عند رفض الإسرائيليات وأكثر الخوارق، وحتى لا ينزلق الباحث إلى التفسير المادي للتاريخ. وفي السيرة تطبيق لمبادئ الحرب في الغزوات ومراعاة لأسباب الحيطة والحذر والاستعداد وهو ما ينأى بها عن أن تكون بمجملها من الخوارق غير الاعتيادية.

هذا وفي مقابل تهاويل القصص الإسرائيلي قديما اشتطت الكتابات الاستشراقية حديثاً بالشاذ والغريب من الروايات لإثارة الشك. قال دوزي: إن محمداً كان يشاطر بني جلدته نظرتهم القائمة على احتقار اليمنيين والزراعيين، وأنه سمع رجلاً ينشد بيتاً يشير فيه إلى أنه حمْيري وليس أسلافه من ربيعة ولا مضر فقال: إن هذا نسب يبعدك عن الله ورسوله. فلما يئس من حمل أهل جنسه من التجار والبدو على اعتناق مبادئه، ورأى أنه مهدد في حياته منذ مات عمه، اضطر لتناسي هذه النظرة فرحب بوفد عرب المدينة الذين عطفوا عليه وأكرموه بعد اضطهاد المكيين، بمعنى أنه تناسى نظرته وقبل المساعدة من أي طريق! وهكذا بنى دوزي حكماً على خبر شاذ غريب.

ومستشرق آخر يشكك في اسم النبي، صلى الله عليه وسلم، ويقول: إن اسمه ورد في أربع سور من القرآن هي: آل عمران، والأحزاب، ومحمد، والفتح، وكلها سور مدنية. ومن ثم فإن لفظة محمد لم تكن اسم علم للرسول قبل الهجرة، وإنما اتخذه بتأثير قراءاته للإنجيل واتصاله بالنصارى، بمعنى أنه التقط هذا الاسم واصطفاه لنفسه (9)!

ردة العرب والحكم المسبق:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير