• وضعفه جماعة واستنكروه جداً منهم الحافظ الذهبي الذي ذكره في (تاريخ الإسلام) تحت عنوان: " سفره مع عمه – إن صح " ثم قال: وهو حديث منكر، جداً بل لقد تعقب الحاكم في تصحيحه إياه بقوله: أظنه موضوعاً. وكذلك الظاهر من صنيع الحافظ ابن كثير إنه يستغربه جداً.
• ومن النقاد من صححه بشواهده المختلفة، ومنهم الحاكم في (المستدرك). والحافظ جلال الدين السيوطي في (الخصائص الكبرى) قال " ولها شواهد عدة سأوردها تقضى بصحتها ". ومال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) إلى قبولها جملة، وإنكار الزيادة التي تروى وجود أبى بكر وبلال قال " الحديث رجاله ثقات، وليس فيه منكر إلا هذه اللفظة " بل قد قطع في (الفتح) بقبوله، قال: " إسناده قوى "
تدقيق الروايات ههنا والجزم بصحة القصة:
إلا إن المدقق في روايات الخبر وفي صنيع هؤلاء المحدثين والنقاد يلاحظ مجموعة من الملاحظات.
أولها:إن الخبر قد جاء من طرق مختلفة،وأوجه متباينة تؤكد إن له أصلا صحيحاً:
• فقد خرجه ابن سعد من طريق أبى المليح عن عبد الله بن محمد بن عقيل – مرسلا.
• وابن عساكر من طريق محمد بن سعد بإسناده إلى أبى مجلز.
• والواقدي بإسناده إلى داود بن الحصين.
• والطبري بإسناده عن هشام بن محمد – مرسلاً، أو معضلاً.
• وعبد الرزاق من حديث الزهري – مرسلاً.
• وابن عائد من حديث الوليد بن مسلم عن سليمان بن موسى – مرسلاً هكذا.
• غيرهم من طرق أخرى، أضربنا عنها اكتفاء بما ذكرنا.
والملاحظة الثانية: إن العلماء لا يختلفون في تقوية أمر الحديث الضعيف إذا جاء من طرق متعددة، أو كانت له شواهد أخرى – كما هو مشهور في مصطلح الحديث ().
والثالثة: إن الحديث المرسل مقبول عند مالك والحنابلة، وقد قبله الشافعي إذا جاء من طريقين مرسلين كل منهما مشتهر أخذ الحديث عن غير الذي يأخذ عنه الأخر – وهذا هو حال مرسلات هذه القصة ().
أما الرابعة فهي: إن النكارة إنما جاءت لهذه الحديث من قبيل الزيادة التي قراد أبو نوح، وهي ذكر أبى بكر وبلال في الحديث، مع إن عمر أبى بكر في هذا الوقت لم يكن يزيد على عشر سنوات، وإنه لم يكن قد اشترى بلالاً بعد، وهي زيادة منكرة حقا، إلا إنها تدل على خطأ قراد – رواى الحديث – أو يونس بن أبى إسحاق – الذي رواه قراد عنه، لكنها لا تفدح في أصل الحديث الذي رواه جماعة كثيرة من الرواه.
من هنا نميل إلى صحة الرواية وقبولها – على النحو الذي رواه نعيم في " دلائل النبوة " من حديث على، وهي أخصر الروايات، وقد ذكرها السيوطي في الخصائص ولم أجدها في نسختي من دلائل النبوة لأبى نعيم.
خيانة استشراقية:
فإذا ما عدلنا عم هذا الجو العلمي – الذي أشاعه البحث في خبر " بحيرا " الراهب – إلى النظرة الاستشراقية لهذا الخبر – فسنشعر بغير قليل من رائحة التدني المنهجي والزيف العلمي، فتحت اسم " بحيرا " من دائرة المعارف الإسلامية () كتب المستشرق " فنسنك " بحثاً لخص فيه القصة، ثم قال:
" وهذه القصص قسم خاص من الأساطير التي أحاطت بسيرة النبي ?، ولها نظائر كثيرة من النوع نفسه وكلها ترمى إلى أن أهل الكتاب عرفوا من كتبهم من قبل بعثة النبي ?.
وهذا " الصنيع من (فنسنك) يحاول أن يسجل حكما عاماً على كل الأخبار التي تواترت بتعرف الأحبار والرهبان والكهان على النبي ? قبل مولده، وقبل مبعثه، وبعد مبعثه، وهو صنيع يضرب ببديهيات المنهج العلمي عرض الحائط، إذ لا يدخل في غمار البحث المنهجي حول رواية القصة ونقلتها، والدراسات التي صيغت حولها، وإنما يبادر إلى القول الفج غير المعلل بأنها أسطورة، ويلحق هذا اللهاث الجري بلهاث آخر ينهى فيه القضية من أساسها، فيرى إن (نظائرها) من هذا النوع الأسطوري نفسه ومن هنا يقوض – بأمنيته – مبدأ إن أهل الكتاب قد تعرفوا على بعثة محمد من خلال كتبهم، على الرغم من إنه مبدأ موجود في القرآن الكريم أصلاً وليس مستقى من هذا القصص، وإن كانت هذه القصص تعد تأكيدا وتطبيقاً لهذا المبدأ القرآني.
¥