تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا بالنسبة لمن شارك في الفتنة، أما بالنسبة لمن تولى قتل عثمان بنفسه فإني أشارك أخي الدكتور خالد الغيث فيما ذهب إليه من كون ابن سبأ هو الذي تولى قتل عثمان رضي الله عنه، و إليكم تفصيل ذلك: فحسب ما توفرت لدي من روايات، جاء نعت قاتله بالموت الأسود و حمار، كما عند خليفة بن خياط (ص174 - 175)، أو جبلة - الغليظ - كما عند ابن سعد (3/ 83 - 84)، أو جبلة بن الأيهم كما عند ابن عبد البر. الاستيعاب (3/ 1046) ضمن ترجمة عثمان بن عفان، و أورده كذلك بنفس للفظ ضمن ترجمة محمد بن أبي بكر (3/ 1367). و كلمة الأيهم ما هي إلا زيادة غير مقصودة من ناسخ المخطوطة

و سببها هو اشتهار اسم جبلة بن الأيهم ذلك الأمير الغساني الذي ارتد زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. و يؤيد ذلك أن راوي الخبر و هو كنانة مولى صفية هو نفسه راوي الروايتين، أنظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (372).

و بدراسة الروايات السابقة اتضح ما يلي:-

أ- أن تلك الروايات لم تسم قاتل عثمان، بل تذكر اللقب الذي أطلق عليه.

ب- ذكرت إحدى الروايات أن قاتل عثمان يقال له: حمار. و كلمة حمار لعلها تحريف لكلمة جبلة.

و يؤيد ذلك ما قيل بخصوص زيادة كلمة - الأيهم - على اسم جبلة عند راوي الخبر، و هو كنانة مولى صفية، لأن راوي خبر لفظة حمار هو كنانة أيضاً. هذا بالإضافة إلى التشابه الموجود في متون تلك الروايات.

و مما سبق يلاحظ أن الذي قتل عثمان رضي الله عنه يعد شخصاً واحداً ذا ألقاب عدة، فهو الموت الأسود، و هو رجل أسود من أهل مصر يقال له جبلة، و هو عبد الله بن سبأ - ابن السوداء - الذي جاء إلى المدينة مع وفد مصر. لمزيد من التفصيل في ذلك راجع: استشهاد عثمان و وقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري، للدكتور: خالد بن محمد الغيث (ص128 - 130).

قال محب الدين الخطيب في حاشيته على العواصم (ص73): الذين شاركوا في الجناية على الإسلام يوم الدار طوائف على مراتب، فيهم الذين غلب عليهم الغلو في الدين فأكبروا الهنات و ارتكبوا في إنكارها الموبقات، و فيهم الذين ينزعون إلى عصبية يمنية على شيوخ الصحابة من قريش، و لم تكن لهم في الإسلام سابقة، فحسدوا أهل السابقة من قريش على ما أصابوا من مغانم شرعية جزاء جهادهم و فتوحهم، فأرادوا أن يكون لهم مثلها بلا سابقة ولا جهاد. و فيهم الموتورون من حدود شرعية أقيمت على بعض ذويهم فاضطغنوا في قلوبهم الإحنة و الغل لأجلها، و فيهم الحمقى الذين استغل السبأيون ضعف قلوبهم فدفعوهم إلى الفتنة و الفساد و العقائد الضالة، و فيهم من أثقل كاهله خير عثمان و معروفه نحوه، فكفر معروف عثمان عندما طمع منه بما لا يستحقه من الرئاسة و التقدم بسبب نشأته في أحضانه، و فيهم من أصابهم من عثمان شيء من التعزير لبوادر بدرت منهم تخالف أدب الإسلام، فأغضبهم التعزير الشرعي من عثمان، و لو أنهم قد نالهم من عمر أشد منه لرضوا به طائعين، و فيهم المتعجلون بالرياسة قبل أن يتأهلوا لها اغتراراً بما لهم من ذكاء خلاب أو فصاحة لا تغذيها الحكمة، فثاروا متعجلين بالأمر قبل إبانه، و بالإجمال فإن الرحمة التي جبل عليها عثمان رضي الله عنه وامتلأ بها قلبه أطمعت الكثيرين فيه، و أرادوا أن يتخذوا من رحمته مطية لأهوائهم.

و لعله بعد هذا لا يبقى مكان و لا مصداقية للروايات التي تشرك الصحابة رضوان الله عليهم في قتل عثمان و التآمر عليه، فقد اجتهدوا في نصرته و الذبّ عنه، و بذلوا أنفسهم دونه، فأمرهم بالكف عن القتال و قال إنه يحب أن يلقى الله سالماً ولوا أذن لهم لقاتلوا عنه، فثبتت براءتهم من دمه رضوان الله عليهم كبراءة الذئب من دم يوسف.

و ظهرت حقيقة الأيدي التي كانت تحرك الفتنة، و التي لطالما دندن الإخباريون الشيعة حولها بأنها أيدي الصحابة، و الحمد لله فقد حفظت لنا كتب المحِّدثين الروايات الصحيحة و التي يظهر فيها الصحابة من المؤازرين لعثمان و المنافحين عنه المتبرئين من قتله، و المطالبين بدمه بعد قتله، و بذلك يستبعد أي اشتراك لهم في تحريك الفتنة أو إثارتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير