تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثانية: إن ما حدث من جانب الصحابة رضي الله عنهم في هذه الفتنة يحمل على حسن النية و الاختلاف في التقدير و الاجتهاد، كما يحمل على وقوع الخطأ و الإصابة، و لكنهم على كل حال كانوا مجتهدين و هم لإخلاصهم في اجتهادهم مثابون عليه في حالتي الإصابة و الخطأ، و إن كان ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ؛ لأن كل فئة كانت لها وجهة نظر تدافع عنها بحسن نية، حيث إن الخلاف بينهم لم يكن بسبب التنافس على الدنيا، و إنما كان اجتهاداً من كل منهم في تطبيق شرائع الإسلام. تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/ 340 - 342) بتصرف.

و قد سئل ابن المبارك عن الفتنة التي وقعت بين علي و معاوية رضي الله عنهما فقال: فتنة عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا - يعني في التحرز من الوقوع في الخطأ و الحكم على بعضهم بما لا يكون مصيباً

فيه -. و سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال: قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و غبنا،

و علموا و جهلنا، و اجتمعوا فاتبعنا، و اختلفوا فوقفنا. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/ 322) في تفسير سورة الحجرات.

و يقول النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم (18/ 219 - 220): و اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد - يعني قوله صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار - و مذهب أهل السنة و الحق إحسان الظن بهم، و الإمساك عما شجر بينهم، و تأويل قتالهم و أنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق و مخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، و كان بعضهم مصيباً و بعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ لأنه اجتهاد و المجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه.

و يورد شيخ الإسلام في مواضع متفرقة من مجموع الفتاوى (35/ 50 و 54 و 56 و 69) رأي أهل السنة في هذه المسألة مستبعداً رأي أهل البدع من الخوارج و الرافضة و المعتزلة الذين جعلوا القتال موجباً للكفر أو الفسق، فيقول: و أهل السنة و الجماعة و أئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة بل يمكن أن يقع الذنب منهم، والله يغفر لهم بالتوبة و يرفع بها درجاتهم، و إن الأنبياء هم المعصومون فقط، أما الصديقون و الشهداء و الصالحون فليسوا معصومين، و هذا في الذنوب المحققة، و أما اجتهادهم فقد يصيبون فيه أو يخطئون، فإذا اجتهدوا و أصابوا فلهم أجران، و إذا اجتهدوا و أخطأوا فلهم أجر واحد على اجتهادهم، و جمهور أهل العلم يفرقون بين الخوارج المارقين و بين أصحاب الجمل و صفين ممن يعد من البغاة المتأولين، و هذا مأثور عن الصحابة و عامة أهل الحديث، و الفقهاء و الأئمة.

يقول ابن حجر في الفتح (13/ 37): و اتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك، و لو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد و قد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً، و أن المصيب يؤجر أجرين.

و هكذا نأخذ من مجموع كلام هؤلاء الأئمة، أن الموقف مما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم هو الإمساك و عدم الخوض، و هذا هو الذي دل عليه الحديث الثابت كما عند الطبراني و غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا. أنظر: السلسة الصحيحة (1/ 75).

و قد فسر المناوي في فيض القدير (2/ 676) الحديث بأن معناه: ما شجر بينهم - أي الصحابة - من الحروب والمنازعات.

يقول الحافظ الذهبي في السير (3/ 128): فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً في الحب، مفرطاً في البغض، و من أين يقع له الإنصاف و الاعتدال؟! فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق و اتضح من الطرفين و عرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين، و تبصرنا فعذرنا و استغفرنا و أحببنا باقتصاد، و ترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة، أو بخطأ إن شاء الله مغفور، و قلنا كما علمنا الله {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا} و ترضينا أيضاً عمن اعتزل الفريقين كسعد ين أبي وقاص و ابن عمر و محمد بن مسلمة و سعيد بن زيد و خلق، و تبرأنا من الخوارج الذين حاربوا علياً و

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير