كفروا الفريقين.
فهذه مقتطفات عاجلة من معتقد أهل السنة و الجماعة في الصحابة، و تلك قناعات و منطلقات شرعية لا تهتز بإرجاف المرجفين ولا تتأثر بتشكيك المشككين.
و إذا كانت أعراض المسلمين بشكل عام مصونة في الإسلام، فأعراض الصحابة و هم أهل الفضل و السابقة و الجهاد أولى بالصيانة، و الدفاع عنهم قربة لله عز وجل و تقديراً لمآثرهم و جهادهم.
و أخيراً لماذا هذه العناية بأعراض الصحابة و لماذا الدفاع عنهم؟
أقول: إن هناك مكمن خطر في سبهم أو التعريض بهم و بعدالتهم، فهم نقلة الدين و الطعن فيهم وسيلة للطعن في الدين.
وإن من أسوأ الأخطاء المنهجية والتربوية معاً، تدريس الحروب والخلافات التي وقعت بين الصحابة لتلاميذ المدارس، مع ما يصاحب ذلك من تشويه في العرض، و تقصير في تعريف التلاميذ بمنزلة الصحابة و فضلهم و حقهم على الأمة، حيث ينشأ عن ذلك تعارض في أذهانهم بين الصورة الفطرية التي تصوروها عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، و ما ينبغي أن يكونوا عليه من الاستقامة، و بين الصورة التي تلقوها من المدرسة، فلا يستطيعون معرفة الحق من ذلك ولا يستوعبونه نظراً لصغر سنهم، و لقلة ثقافتهم، حتى لو حاولت أن توضح لهم الصورة الصحيحة فإنهم لا يكادون يقتنعون لأن الشبهة التي أثيرت قد انقدحت في أذهانهم.
و هذه المسارعة في عرض مثل هذه المادة التاريخية على صغار التلاميذ أو عوام الناس مخالف للقواعد الأصولية مثل قاعدة: (سد الذرائع). و قاعدة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح). و مخالف أيضاً للقواعد التربوية التي تقتضي أن لا يعرض على الناس أكثر مما لا تحتمله عقولهم.
و قد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ما يؤيد هذا؛ فقال عبد الله بن مسعود كما في مقدمة صحيح مسلم برقم (14): (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة). و قد بوب البخاري في صحيحه: (باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا). و أورد قول علي بن أبي طالب: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله و رسوله). البخاري مع الفتح (1/ 272)، قال ابن حجر معلقاً عليه: (فيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة).
فهذه الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على صحة هذه القاعدة التربوية، و أنه لا ينبغي أن يدرّس مثل هذا لتلاميذ المدارس، لأنه مما لا تبلغه عقولهم، و مما يؤدي إلى فتنة بعضهم، و هو اعتقاد ما لا ينبغي اعتقاده في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. و للمزيد حول هذا الموضوع أنظر كتاب: منهج كتابة التاريخ الإسلامي للدكتور: محمد بن صامل (ص252). و مقال: فضيلة الإمساك عما شجر بين الصحابة: زياد سعد الغامدي في مجلة البيان الإسلامية العدد (134).
و إذا قدر لهذه القضايا أن تبحث فينبغي أن يسند الأمر إلى أهله، و أن يتوفر على ذلك علماء متمكنون في علمهم، صادقين في توجههم، برآء من أي تهمة في معتقدهم، و أن يكونوا على مستوى الخاصة، و ألا تفتن بهم العامة، و ألا تكون قضية مطروحة للمزاد يهرف فيها من لا يعرف، و يظن الجاهل أن من حقه أن يوافق أو يخالف .. و ليت شعري كم تنطق الرويبضة و يتصدر السفهاء إذا غاب عن الساحة صوت العلماء، أو توارى خلف الحجب رأي النبلاء .. و مع ذلك فالزبد سيذهب جفاء و يمكث في الأرض ما ينفع الناس، و كذلك اقتضت حكمة الله في الصراع بين الحق و الباطل قديماً و حديثاً، ليميز الله الخبيث من الطيب و ينحاز الصادقون و ينكشف و لو بعد حين الكاذبون. خير القرون، مقال للدكتور سليمان العودة. انظر مجلة الدعوة العدد (1610).
وما أحسن ما قيل عن التاريخ الإسلامي: فهو تاريخ ناصع مشرق، و هو مفخرة على مر الزمن، و درة على جبين الدهر، لا يدانيه تاريخ أمة من الأمم في قديم الزمان و حديثه، و مع ذلك فقد وقعت فيه بعض الحوادث التي تلقي بعض الظلال القاتمة على إشراقه، بدأت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ظهرت بعض الخلافات في وجهات النظر بين بعض الصحابة، أدت إلى وقوع بعض الحروب، مثل: وقعة صفين، و وقعة الجمل و يوم الحرة و أمثالها، و الطالب المسلم يمر بها في بعض مراحل حياته الدراسية، و نحن نريد أن نلفت نظر المعلم أو المدرس إلى وجوب
¥