تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و لعلنا من خلال تلك الإشارات، نستطيع أن نحدد المحيط الذي نشأ فيه عبد الله بن سبأ، والبيئة التي صاغت أفكاره، خاصة في عقيدة (الرجعة) و (الوصية) حينما قال: (لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع و يكذب بأن محمداً يرجع، و قد قال الله عز وجل إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، و إنه كان ألف نبي و وصي و كان على وصي محمد، ثم قال: محمد خاتم الأنبياء و علي خاتم الأوصياء .. ). تاريخ الطبري (4/ 340).

على كل حال فهي معلومات ضئيلة لا تروي غليلاً، ولا تهدي سبيلاً، و لعل مرد ذلك إلى المصادر التي بين أيدينا، فهي لا تكاد تبين عن نشأة ابن سبأ، كما أن المعلومات عن فتوة ابن سبأ قبل ظهوره غير موجودة، و نحن هنا مضطرون للصمت عما سكت عنه الأولون حتى تخرج آثار أخرى تزيل الغبش و تكشف المكنون.

ظهور ابن سبأ بين المسلمين:-

جاء في تاريخ الطبري (4/ 340) و الكامل لابن الأثير (3/ 77) و البداية والنهاية لابن كثير (7/ 167) و تاريخ دمشق لابن عساكر (29/ 7 - 8) و غيرهم من كتب التاريخ ضمن أحداث سنة (35هـ): أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء وأنه أسلم زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، و أخذ يتنقل في بلاد المسلمين يريد ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم بالشام، فلم يقدر على شيء فيها، فأتى مصر واستقر بها و وضع لهم عقيدتي الوصية و الرجعة، فقبلوها منه و كوّن له في مصر أنصاراً ممن استهواهم بآرائه الفاسدة.

لكن أين و متى كان أول ظهور لعبد الله بن سبأ بين المسلمين؟

جاء في البداية والنهاية لابن كثير (7/ 183) ضمن أحداث سنة (34هـ)، أن عبد الله بن سبأ كان سبب تألب الأحزاب على عثمان. ثم أورده في أحداث سنة (35هـ) مع الأحزاب الذين قدموا من مصر يدعون الناس إلى خلع عثمان. البداية والنهاية (7/ 190).

أما الطبري (4/ 331) وابن الأثير (3/ 147) فنجد عندهما ذكر لابن سبأ بين المسلمين قبل سنة (34هـ) في الكوفة، (فيزيد بن قيس) ذلك الرجل الذي دخل المسجد في الكوفة يريد خلع عامل عثمان (سعيد ابن العاص) إنما شاركه وثاب إليه الذين كان ابن السوداء يكاتبهم.

و هذا يعني ظهور ابن سبأ قبل هذا التاريخ، و تكوين الأعوان الذين اجتمعوا إلى يزيد بن قيس، و تأكيد ذلك عند الطبري (4/ 326) وابن الأثير (3/ 144)، ففي سنة (33هـ) و بعد مضي ثلاث سنين من إمارة عبد الله بن عامر على البصرة يعلم بنزول ابن سبأ على (حكيم بن جبلة) و تكون المقابلة بين ابن عامر وابن السوداء والتي ذكرتها في بداية الموضوع.

ونستمر في الاستقراء فنجد ظهوراً لابن سبأ بين المسلمين قبل هذا التاريخ، ففي الطبري (4/ 283) و ابن الأثير (3/ 114)، و ضمن حوادث سنة (30هـ) يرد ابن السوداء الشام، و يلتقي بأبي ذر و يهيجه على معاوية – و سنأتي على تحقيق القول في قضية تأثير ابن سبأ على أبي ذر فيما بعد -.

ابن سبأ في الحجاز:-

لما كان ظهور ابن سبأ في الحجاز قبل ظهوره في البصرة والشام، فلابد أن يكون قد ظهر في الحجاز قبل سنة (30هـ)، لأن ظهوره في الشام كان في هذا التاريخ، و في الحجاز لا تكاد تطالعنا الروايات التاريخية على مزيد من التفصيل، و لعل في هذا دلالة على عدم استقرار أو مكث لابن سبأ في الحجاز، عدا ذلك المرور في طريقه التخريبي، لكنه كما يبدو لم يستطع شيئاً من ذلك فتجاوز الحجاز إلى البصرة. تاريخ الطبري (4/ 340 - 341).

ظهوره في البصرة:-

و في البصرة كان نزول ابن سبأ على (حكيم بن جبلة العبدي)، و خبره كما ورد في الطبري (4/ 326): (لما مضى من إمارة ابن عامر ثلاث سنين بلغه أن في عبد القيس رجلاً نازلاً على حكيم بن جبلة، و كان حكيم رجلاً لصاً إذا قفلت الجيوش خنس عنهم، فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة، و يتنكر لهم و يفسد في الأرض و يصيب ما يشاء ثم يرجع، فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان، فكتب إلى عبد الله بن عامر أن احبسه و من كان مثله فلا يخرج من البصرة حتى تأنسوا منه رشداً، فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها، فلما قدم ابن السوداء نزل عليه، و اجتمع إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح، فقبلوا منه واستعظموه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير