و بعد هذا لا يشك أحد أن رواية سيف مرشحة على غيره من الإخباريين أمثال أبي مخنف و الواقدي وابن الكلبي، و غيرهم الكثير، فإن روايات سيف تتفق و تنسجم مع الروايات الصحيحة المروية عن الثقات، علاوة على أنها صادرة و مأخوذة عمن شاهد تلك الحوادث أو كان قريباً منها. للمزيد حول هذا الموضوع راجع كتاب: استشهاد عثمان و وقعة الجمل رواية سيف بن عمر، للدكتور خالد بن محمد الغيث (ص 19 - 40)، و عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور:سليمان العودة (ص 104 - 110).
ثالثاً: قالوا: لم يكن لابن سبأ وجود، و إنما هو في الحقيقة شخصية رمزت لعمار بن ياسر، ثم ساقوا عدد من الدعائم التي تؤيد هذا القول، منها:-
1 - كان ابن سبأ يعرف بابن السوداء، و عمار كان يكنى بابن السوداء أيضاً.
2 - كلاهما من أب يماني، و ينسبون إلى سبأ بن يشجب أصل أهل اليمن.
3 - كلاهما كان شديد الحب لعلي، و من محرضي الناس على بيعته.
4 - ذهاب عمار إلى مصر أيام عثمان و أخذ يحرض الناس على عثمان، و مثل هذا ينسب إلى ابن سبأ.
5 - ينسب إلى ابن سبأ القول بأن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، و أن صاحبها الشرعي هو علي، و هذا نفسه كان يقول به عمار.
6 - و يشترك الاثنان في عرقلة مساعي الصلح في معركة الجمل.
7 - قالوا عن ابن سبأ أنه هو المحرك لأبي ذر في دعوته الاشتراكية! و صلة عمار بأبي ذر وثيقة جداً.
الرد: هذا الرأي الذي خلصوا إليه، إنما يدل على جهل صاحبه، و هذا الرأي ترده كتب الجرح والتعديل و كتب الرجال الموثقة عند الشيعة، فهي تذكر عمار بن ياسر ضمن أصحاب علي والرواة عنه، و هو أحد الأركان الأربعة عندهم، ثم هي تذكر في موضع آخر ترجمة عبد الله بن سبأ في معرض السب واللعنة. أنظر: رجال الطوسي (ص 46، 51) و رجال الحلي (ص 255، 469). فهل يمكن اعتبار الرجلين شخصية واحدة بعد ذلك؟!
كما وأن عوامل توافق الشخصيتين ذهاب كل منهما إلى مصر زمن عثمان، فإن استقراء النصوص ومعرفة تاريخها يعطي مفهوماً غير الذي فهمه النافين لوجود ابن سبأ، و بالتالي ينتصب هذا العامل دليلاً على استقلال كل من الشخصيتين، فعمار إنما بعثه عثمان إلى مصر سنة (35هـ)، بينما كان ظهور ابن سبأ سنة (30هـ) كما في الطبري (4/ 241)، و هو الذي ساق الخبرين، و شيء آخر و هو أن الطبري نفسه أورد أن من الذين استمالوا عماراً في مصر قوم منهم عبد الله بن سبأ. الطبري (4/ 341)، وانظر أيضاً: البداية والنهاية لابن كثير (7/ 167) و الكامل في التاريخ لابن الأثير (3/ 77) و تاريخ ابن خلدون (2/ 1034) فهؤلاء هو كبار المؤرخين و هم جميعاً أثبتوا الشخصيتين؛ شخصية ابن سبأ و شخصية عمار بن ياسر، فكيف لعاقل بعد ذلك أن يقول إنهما شخص واحد؟!
و أما قولهم بأن عمار كان يمانياً، فكل يماني يصح أن يقال له ابن سبأ، فهذا غير صحيح، فليست سبأ إلا جزءاً من بلاد اليمن الواسعة كما قال بذلك ياقوت في معجم البلدان (3/ 181).
وأما قولهم بأن عمار كان يقول بأن عثمان قد أخذ الخلافة بغير حق، و أن صاحبها الشرعي هو علي، فإن هذه المقولة زَعْم يحتاج إلى دليل، بل الثابت أن عثمان رضي الله عنه كان يثق بعمار و هو الذي أرسله إلى مصر لضبط أمورها. راجع الطبري (4/ 341).
كما وأن التشابه في الكنى لا يجعل من الرجلين شخصية واحدة، كما وأن الظروف التاريخية وطابع كل من الشخصيتين لا تسمحان لنا بقبول هذا الرأي. وإن نظرة واحدة إلى كتب التراجم والرجال لتعطي القارئ فكرة واسعة في سبب قيام علماء الجرح والتعديل بتأليف الكتب التي تحتوي على المتشابه من الأسماء والكنى.
و شيء مهم آخر و هو أن عمار قتل يوم صفين، في حين بقي ابن سبأ إلى بعد مقتل علي رضي الله عنه، فهل بعد هذا يكون عمار بن ياسر هو عبد الله بن سبأ؟!
رابعاً: قالوا: لم يكن لابن سبأ وجود في الحقيقة، و إنما هو شخصية وهمية انتحلها أعداء الشيعة بهدف الطعن في مذهبهم و نسبته إلى رجل يهودي.
¥