تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و استخدم ابن سبأ كذلك الأعراب، فذهب إليهم و بدأ يثير عندهم الأكاذيب حول عثمان و يستدل على قوله بكتب مزيفة كتبها هو و أعوانه على ألسنة طلحة و الزبير و عائشة، فيها التذمر على سياسة عثمان في الحكم، فصار الأعراب و هم الذين لا يفقهون من دين الله الشيء الكثير، يتأثرون بهذه الأكاذيب و يصدقونها فملئت قلوبهم على عثمان رضي الله عنه. استشهاد عثمان (ص 87 - 99).

بعد ذلك اتجه ابن سبأ إلى هدفه المرسوم، و هو خروج الناس على الخليفة عثمان رضي الله عنه، فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم فقال لهم: إن عثمان أخذ الأمر بغير حق و هذا وصي الرسول صلى الله عليه وسلم، فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، و ابدؤوا بالطعن في أمرائكم و أظهروا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تستميلوا الناس، و ادعوهم إلى هذا الأمر. تاريخ الطبري (4/ 341)، من طريق سيف بن عمر.

و يظهر من هذا النص الأسلوب الذي اتبعه ابن سبأ، فهو أراد أن يوقع في أعين الناس بين اثنين من الصحابة حيث جعل أحدهما مهضوم الحق و هو علي، و جعل الثاني مغتصباً و هو عثمان.

ثم إنه أخذ يحضّ أتباعه على إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن مِصرهم إلى بقية الأمصار، فيتخيل أهل البصرة مثلاً أن حال أهل مصر أسوأ ما يكون من قبل واليهم، و يتخيل أهل مصر أن حال أهل الكوفة أسوأ ما يكون من قبل واليهم، و كان أهل المدينة يتلقّون الكتب من الأمصار بحالها و سوئها من أتباع ابن سبأ، وهكذا يتخيل الناس في جميع الأمصار أن الحال من السوء مالا مزيد عليه، و المستفيد من هذه الحال هم السبئية، لأن تصديق ذلك من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع الإسلامي.

هذا و قد شعر عثمان رضي الله عنه بأن شيئاً ما يحاك في الأمصار و أن الأمة تمخض بشرّ فقال: والله إن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات و لم يحركها. تاريخ الطبري (4/ 343)، من طريق سيف بن عمر.

روى الترمذي عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال: يقتل هذا فيها مظلوماً - لعثمان بن عفان - صحيح سنن الترمذي (3/ 210) و أنظر: فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/ 451).

و روى الترمذي في سننه (5/ 628) و ابن ماجة عن كعب بن عجرة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها، فمر رجل مقنع رأسه فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يومئذ على الحق، فوثبت فأخذت بضبعي عثمان ثم استقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا؟ قال: هذا. المسند (4/ 242) و صحيح ابن ماجة (1/ 24 - 25) و صحيح سنن الترمذي (3/ 210) و فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/ 450).

و الذي حصل أن أهل الفتنة أخذوا يتراسلون فيما بينهم، فلما رأوا أن عددهم قد كثر تواعدوا على أن يلتقوا عند المدينة في شوال من سنة (35هـ) في صفة الحجاج، فخرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء المقلّل يقول ستمائة و المكثر يقول ألف .. و لم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب، و إنما خرجوا كالحجاج و معهم ابن السوداء .. و خرج أهل الكوفة في عدد كعدد أهل مصر، و كذا أهل البصرة، و لما اقتربوا من المدينة شرعوا في تنفيذ مرحلة أخرى من خطتهم، فقد اتفق أمرهم أن يبعثوا اثنين منهم ليطلعا على أخبار المدينة و يعرفا أحوال أهلها، ذهب الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و علياً و طلحة و الزبير، و قالا: إنما جئنا نستعفي عثمان من بعض عمالنا، و استأذنا لرفاقهم بالدخول، فأبى الصحابة، و قال علي رضي الله عنه: لا آمركم بالإقدام على عثمان فإن أبيتم فبيض سيفرخ. الطبري (4/ 349 - 350)، من طريق سيف بن عمر.

تظاهر القوم بالرجوع و هم يبطنون أمراً لا يعلمه الناس، فوصلت الأنباء إلى أهل المدينة بانصراف أهل الفتنة فهدأ الناس، و في الليل فوجئ أهل المدينة بأهل الفتنة يدخلون المدينة من كل مكان فتجمعوا في الشوارع و هم يكبرون، فجاء علي بن أبي طالب و قال: ما شأنكم؟ لماذا عدتم؟ فرد عليه الغافقي بأن عثمان غدر بهم، قال كيف؟ قال: قبضنا على رسول و معه كتاب من عثمان يأمر فيه الأمراء بقتلنا، فقال علي لأهل الكوفة و البصرة: و كيف علمتم بما لقي أهل مصر و قد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا، هذا والله أمر أبرم بالمدينة، و كان أمر الكتاب الذي زوّر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير