و من زاوية أخرى: كانت المهمة الأصعب من الناحية التخطيطية و التجهيزية للمؤامرة قد انتهت، و لم تبقَ إلاَّ النواحي التنفيذية و العسكرية و كان الجيش الانجليزي في الميدان، وسفنه تمخر قناةالسويس جيئةً و ذهاباً.
لِيُقبََِض ـ حينذاك ـ على الأفغاني في ليلة الأحد سادس رمضان سنة 1296 - 24 أغسطس سنة 1879، وهو ذاهب إلي بيته هو وخادمه الأمين (أبو تراب)، ليُحمَلَ في الصباح في عربة مقفلة إلي محطة السكة الحديدية، ومنها نقل تحت المراقبة الشديدة إلي السويس، وانزل منها إلي باخرة اقلته إلى الهند، وسارت به إلي بومباي، و إثر ذلك قامت الحكومة بنشر بلاغ رسمي من إدارة المطبوعات بتاريخ 8 رمضان سنة 1296 (26 أغسطس سنة 1879 م) ذكرت فيه نفي السيد بعد أن نسبت إليه السعي في الأرض بالفساد، و أنه " رئيس جمعية سرية من الشبان ذوي الطيش مجتمعة على فساد الدين والدنيا "، وحذرت الناس من الاتصال بهذه الجمعية.
و بذلك تم نفيه خارج مصر؛ و لكن بعد أن تمكن تلامذته من البلاد من جميع الأصعدة، وعلى كافة المستويات، بل كان بعض تلامذته أعضاء في مجلس الوزراء، مثل تلميذه محمود سامي البارودي ناظرالأوقاف حينذاك و رئيس الحكومة فيما بعد.
آلية الخطة المشتركة:
كانت الخطة الانجليزية الفرنسية الافغانية تقضي بافتعال ثورة وطنية فاشلة ضد حكم اسماعيل الفاسد، ليتم بعد ذلك احتلال بريطانيا لمصر بحجة حماية مصالحها و مواطنيها،وهو ماكان بالضبط من خلال ثورة عرابي الذي أوقعته السياسة الاوربية في حبائلها عن طريق وكيلها المعتمد الدائم السيد جمال الدين الافغاني، و الذي غادر الى الهند، و ترك مخطط "بيع مصر" في أيدٍ "غير أمينة " ليشرف على تنفيذه كل من الانجليز، و تلميذه الخديوي توفيق، و باقي تلامذته من الماسون "الوطنين" و على رأسهم الماسوني العريق الشيخ محمد عبده الذي كان يشرف على تلميذه "المخدوع" أحمد عرابي.
الثورة العرابية:
- كانت القشة التي قصمت ظهر البعير و الشرارة و التي استوجبت الثورة العرابية هي مظالم عثمان رفقي ناظر الجهادية (وزير الحربية) في عهد توفيق ضد الجنود والضباط المصريين مما دفع بالضباط المصريين بقيادة عرابي للمطالبة برفع الظلم عنهم و إقالة رفقي، فأرسلوا رسالة إلى رياض باشا ناظر النظار (رئيس الوزراء) يطالبونه فيها بعزل عثمان رفقي (وزير الحربية) التركى المتغطرس ويطالبونه فيها بمساواة المصريين بأقرانهم من الأتراك ووقع على الرسالة الزعيم احمد عرابى وعبد العال حلمى وعلى فهمى فتمَّ لهم ذلك بعد مصاولات.
ـ وفي يوم الجمعة 9 سبتمبر 1881 م حاصر احمد عرابى مع ضباطه وجنوده قصر عابدين ليطالب الخديوى توفيق بحقوق الأمة المصرية ومساواة المصريين بالأجانب وهو ما جعل الخديوى يرد عليه بقوله:
"كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي واجدادى وما انتم إلا عبيد احساننا " في مسرحية ماسونية مكشوفة.
ـ يقول الشيخ سليمان الخراشي حفظه الله في رسالته القيِّمة: "كيف احتل الانجليز مصر "
(كان الإنجليز و الفرنسيون يرقبون الأحداث بغبطة وسرور! وكانوا يوعزون من خلف الستار إلى عرابي أن: امض في طريق "الإصلاح"، ولا تخش أحدًا! ومن ذلك ما ذكر محمد عبده في مذكراته عن الثورة العرابية –وهو أحد أقطابها- من أن قنصل فرنسا (أرسل إلى أحمد عرابي وإخوانه يقول لهم: إنه يسره ما يراه من صلابتهم وعزيمتهم، واشتدادهم في المطالبة بالعدل، فعليهم أن يثبتوا في مطالبهم ولا يُضعفهم ما يُهَددون به)! (الأعمال الكاملة لمحمد عبده، 1/ 528، 531).
و (أرسل إلى عرابي كتابًا يمدحه فيه على ثباته، ويشجعه على عدم المبالاة بالحكومة). (مصر المجاهدة في العصر الحديث، عبد الرحمن الرافعي، ص 34).
أما إنجلترا فكانت تفعل الأمر نفسه بل أشد، من خلال جاسوسها المدعو: " بلنت" الذي كان يجوس بلاد مصر يؤلب الناس على الحكم، ويراسل عرابي ويستحثه على مواصلة الضغط على الحكومة لعلها تستجيب لمطالب "الإصلاح"!، وهدفه الحقيقي فصل مصر عن الدولة العثمانية تمهيدًا لاحتلالها.
¥