تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لاعباً حينذاك بورقة طرده من مصر على يد الاحتلال الانجليزي التي تُظهِر ـ فيما قدَّر ـ صحة "ولاءه للدولة العثمانية"، والتي يعلم أنها محل نظر لدى الدولة العليَّة.

إلاَّ أن السلطان عبدالحميد الثاني لم يكنْ ممن ينخدع بتلك السهولة، فلم يكن الأفغاني آنذاك محل ثقة السلطان عبدالحميد، لعدة أسباب:

1ـ فقد كان السلطان يعلم بتشيع الافغاني، يقول ميرزا لطف الله خان ابن خالة جمال الدين:

(وكان كشف حقيقة جمال الدين أمام السلطان عبد الحميد ضربة قاضية وجَّهها مظفر الدين شاه إلى جمال الدين بوثيقة سلمها علاء الملك سفير إيران في تركيا إلى الحكومة التركية تثبت بالأدلة القاطعة أن جمال الدين إيراني شيعي يختفي في ثياب الأفغاني، ويتّخذ المذهب السني ستاراً يحتمي به) «جمال الدين الأسد آبادي» (ص 34).

1. أن الأفغاني الذي يطرح قضية "وحدة المسلمين " كان من اكبر المؤيدين في نفس الوقت للثوار ضد السلطان عبدالحميد، من القوميين الأتراك والعثمانيين عامة.

2. أن الأفغاني لم يكن صادقاً في عرضه لوحدة الشعوب الإسلامية في مواجهة الدول الأوروبية الرامية الى تقسيم الدولة العثمانية العاملة على انهيارها، فالسلطان يعلم عنه أنه في نفس الوقت لم يكن يتعرض للاستعمار الفرنسي من قريب أو بعيد، ولو بكلمة تنديد. في وقت كان فيه السلطان عبدالحميد يحتاج الى مقاومة الفرنسيين في شمال أفريقيا. انظر: السلطان عبدالحميد الثاني، ص 182.

4ـ حصول المخابرات العثمانية، على خطة أعدت في وزارة الخارجية الانكليزية، واشترك فيها جمال الدين الأفغاني وبلنت الانكليزي وتقضي هذه الخطة بإقصاء الخلافة عن السلطان عبدالحميد وعن العثمانيين عموماً، في الوقت الذي كان فيه جمال الدين يندِّد بالاستعمار الإنكليزي. فقد ذكر السلطان عبدالحميد في مذكراته ما نصُّه:

(وقعت في يدي خطة أعدها في وزارة الخارجية الإنكليزية مهرج اسمه جمال الدين الأفغاني وإنكليزي يُدعى بلنت قالا فيها بإقصاء الخلافة عن الاتراك. واقترحا على الانكليز إعلان الشريف حسين أمير مكة خليفة على المسلمين.

كنت أعرف جمال الدين الأفغاني عن قرب. كان في مصر، وكان رجلاً خطيراً. اقترح عليّ ذات مرة -وهو يدّعي المهدية- أن يثير جميع مسلمي آسيا الوسطى. وكنت أعرف أنه غير قادر على هذا. وكان رجل الانكليز، ومن المحتمل جداً أن يكون الانكليز قد أعدوا هذا الرجل لاختباري فرفضت فوراً، فاتحد مع بلنت.

استدعيته الى استانبول عن طريق أبي الهدى الصيادي الحلبي، الذي كان يلقي الاحترام في كل البلاد العربية.

قام بالتوسط في هذا كل من منيف باشا، حامي الأفغان القديم، والأديب الشاعر عبدالحق حامد. جاء جمال الدين الأفغاني الى استانبول، ولم أسمح له مرة أخرى بالخروج منها ... ) انظر: مذكرات السلطان عبدالحميد، ص 148.

5 ـ موقف السيد جمال الدين الأفغاني من مبدأ التوسع الروسي كان غريباً على مفهوم الجامعة الاسلامية الذي يدعو اليه، فبالرغم من الأطماع الروسية والحروب الروسية، ضد الدولة العثمانية واقتطاع الروس لأجزاء من الأراضي العثمانية، فقد كان الافغاني يرى أن للروس مصالح حيوية وإستراتيجية في الهند، تدفعهم لاحتلالها. وأن ليس لدى الافغاني اعتراض على هذا الاحتلال إذا حدث، بل ينصح الروس باتباع أسلم السبل وأسهلها لتنفيذه، وذلك بأن يستعينوا بدولة فارس، وبلاد الأفغان، لفتح أبواب الهند، شريطة أن تسهمهما في الغنيمة وتشركهما في المنفعة، وهنا ـ مع ما مرَّ بنا من صيغة مشروعه ـ تظهر النزعة الشيعية لجمال الدين الأسدآبادي.

ـ إلاَّ أن السلطان عبدالحميد ـ المعروف بشدة دهائه ـ استطاع الإفادة من الأفغاني في الدعاية الى الجامعة الاسلامية بما يخدم مصالح دولة الخلافة الاسلامية.

يقول جمال الدين الأفغاني واصفاً شدة دهاء السلطان عبدالحميد: (إن السلطان عبدالحميد لو وزن مع أربعة من نوابغ رجال العصر لرجحهم ذكاء ودهاء وسياسة، خصوصاً في تسخير جليسه، ولا عجب إذا رأيناه يذلل لك مايقام لملكه من الصعاب من دول الغرب، ويخرج المناوئ له من حضرته راضياً عنه وعن سيرته وسيره، مقتنعاً بحجته سواء من ذلك الملك والأمير والوزير والسفير ... ) جمال الدين الأفغاني المصلح المفترى عليه، د. محسن عبدالحميد، ص137.

ـ ويقول: (ورأيته يعلم دقائق الأمور السياسية ومرامي الدول الغربية وهو معد لكل هوة تطرأ على الملك، مخرجاً وسلماً، وأعظم ماأدهشني، ماأعده من خفي الوسائل وأمضى العوامل، كي لاتتفق أوروبا على عمل خطير في الممالك العثمانية، ويريها عياناً محسوساً أن تجزئة السلطنة العثمانية لا يمكن إلا بخراب يعم الممالك الأوروبية بأسرها) جمال الدين الأفغاني المصلح المفترى عليه، د. محسن عبدالحميد، ص137.

ويقول: (أما مارأيته من يقظة السلطان ورشده وحذره وإعداده العدة اللازمة لإبطال مكائد أوروبا وحسن نواياه واستعداده للنهوض بالدولة الذي فيه نهضة المسلمين عموماً، فقد دفعني الى مد يدي له فبايعته بالخلافة والملك، عالماً علم اليقين، أن الممالك الاسلامية في الشرق لاتسلم من شراك أوروبا، ولا من السعي وراء اضعافها وتجزئتها، وفي الأخير ازدرائها واحدة بعد أخرى، إلا بيقظة وانتباه عمومي وانضواء تحت راية الخليفة الأعظم ... ) نفس المرجع ص137.]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير