ـ[أبو أويس المغربي]ــــــــ[09 - 09 - 07, 01:38 م]ـ
صفحة مطوية:
ويقودني حديث ما أنجزه من أعمال إلى نشر صفحة مطوية من تاريخه العلمي، تلك هي مرحلة عمله في مركز الدراسات والبحوث العلمية، حيث خطط لمشروع علمي رصين، وأسس بنيانه على قواعد متينة، ثم تخيَّرني مع الأخ الدكتور يحيى مير علم للعمل معه، ذلك المشروع هو إحصاء جذور العربية في خمسة من أمّات المعجمات هي تهذيب الأزهري ومحكم ابن سيده وجمهرة ابن دريد ولسان ابن منظور وقاموس الفيروزآبادي، وقد بدأ الأستاذ المشروع، ثم أتممنا العمل بإشرافه، وكان لتوجيهاته وملاحظاته أثر كبير في استدراك ما فات غيرنا ممن قام بأعمال إحصائية شبيهة.
وشرع معنا أيضاً بعمل آخر يتصل بعلم التعمية واستخراج المعمى (الشيفرة وكسر التشفير) إذ استقدم من صديقه الأستاذ الدكتور فؤاد سزكين مجموعاً مهمًّا في هذا العلم، وقام بنسخه بخطه، وأشرف على تحقيقنا رسالة أسباب حدوث الحروف لابن سينا، ورسالة اللثغة للكندي، وكتب توصيفاً دقيقاً لمخارج الحروف وصفاتها من منظور تراثي.
وبهذا يكون نشاط النفاخ قد توزع على أماكن أربعة: جامعة دمشق، ومجمع اللغة العربية، ومركز الدراسات والبحوث العلمية، وبيته.
وما من شكٍّ في أن هذا الأخير - أعني البيت - لم يكن يقل أهمية عن الأماكن الأخرى، بل هو يجمع بينها، وينظم ما انفرط من حلقاتها. قلت له مرة، وقد بلغني أنه وَجَدَ عليَّ إثر تكليفي بتدريس مادة العروض في جامعة دمشق بعد أن نُحِّيَ عنها: ((لأن أكونَ تلميذاً صغيراً في بيتك أحبُّ إليَّ من أن أكون أستاذاً كبيراً في الجامعة)) فقد كان بيته بحق جامعة لطلاب العلم، ومجمعاً لرواد المعرفة، ومركزاً للعطاء والإبداع .. إنه بيتٌ دعائمُهُ أعزُّ وأطولُ.
سأشكرُ ما أوليتَ من حسنِ نعمةٍ ** ومثلي بشكر المنعمين خليقُ
ولا أودُّ أن أدع القلم قبل أن أتمنّى على ابن شيخنا - عبد الله أحمد راتب النفاخ - وطلابه ومحبيه أمنيتين:
الأولى: أن يسارعوا إلى تراث الشيخ فينشروه، سواء ما كان منه أعمالاً منجزة، تحقيقاً وتأليفاً، أو ما كان هوامش علمية انطوت عليها أسفار مكتبته، ففي هذا نشر للعلم، ووفاءٌ لأصحابه، ونفع للناس عميم.
والثانية: أن يبادروا إلى تكريم الشيخ فيسهموا في نشر كتاب يحمل اسمه، وينشر فضله، ويدرس آثاره، ويعلي ذكره، ففي هذا إحياء لذكراه، ووفاء بحقه، وردٌّ لبعض جميله على أهل هذا اللسان العربي، وأرجو أن تتحول هذه الأماني إلى حقائق ملموسة، وألا تكون مجرد أمانٍ نعيش بها زمناً رغداً، بعد أن صار الشيخ النفاخ - أحسن الله إليه - ((ميراثاً نتوارثه، وأدباً نتدارسه، وحناناً نأوي إليه)) كما قال أديب العربية الكبير محمود شاكر في شيخه الرافعي، عليهما رحمة الله.
ـ[أبو أويس المغربي]ــــــــ[09 - 09 - 07, 01:40 م]ـ
من شعر النفاخ:
ولعل خير ما أختم به هذه الكلمة أبيات كان الشيخ النفاخ ينشدها في بعض مجالسه الخاصة، وهي من نظمه، وفيها دلالة على مبلغ فصاحته، وجزالة عباراته، وأصالة انتمائه، وصدق عاطفته، وقد كتبتها من فِلْقِ فيهِ:
جحَّافُ يا ابنَ الأكرمي ** نَ من الغطارفةِ الأماجِدْ
لا زالَ ذكرُكَ عالياً ** ينثو المكارمَ والمحامِدْ
لمّا تطاولَ دوبَلٌ ** واختالَ تِيهاً شِبهَ ماردْ
أرسلتَها في مسمع ال ** أيامِ صَيحاتٍ رَواعِدْ
وشَدَخْتَ أنفَ الشركِ مُصْ ** طَلِماً لكلِّ عَمٍ مُعانِدْ
أكرِمْ بها من فَتكَةٍ ** تمَّتْ بها فتكاتُ خالِدْ [10]
وأما أنت يا أبا عبد الله فسلام عليك في الأولين الذين عشتَ معهم بقلبك وفكرك، وسلام عليك في الآخِرين الذي عشت معهم بعطائك وعلمك، وسلام عليك في الملأ الأعلى يوم الدين.
أسأل الله أن يجزيك عن العربية وأهلها خير ما جزى عالماً عن قومه ولغته، وشيخاً عن طلابه وتلامذته، ومجاهداً عن دينه وأمته، وأن يجعل ما قدمت للغة القرآن ذخراً لك وزلفى عند ربك {يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.
¥