تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومع أن ذكريات الشيخ الطنطاوي عن المملكة تختلط أحياناً على طريقة الاستطراد بذكرياته السورية فإننا نجد في عناوين ذكرياته عن المملكة ما يلي: (كيف جئت إلى المملكة)، (الدراسات العليا في المملكة)، (الفقيدان الوزير والمدير) - وهما معالي الشيخ حسن آل الشيخ وزير المعارف، والشيخ عبد الرحمن بن صالح التونسي مدير مدارس الثغر - (تعليق على التلبية في الحج)، (في كلية التربية).

وهكذا عرفت الشيخ الطنطاوي عندما كنت طالباً في الجامعة السورية، وعرفته في مدينة الرياض، وعرفته كما عرفه الناس من خلال ما قدم في الإذاعة والرائي على مدى عقود من السنين، ثم من خلال ذكرياته التي أزعم أني اطلعت عليها وقرأت كثيراً من حلقاتها أثناء كتابتي لهذا المقال.

ويتراءى لي الطنطاوي كما يتراءى لكثير ممن عرفوه شيخ الأدباء في الشام وأديب القضاة وجاحظ القرن العشرين.

وقد عاش الطنطاوي حياة حافلة مديدة زادت على تسعين عاماً، ومارس مهناً متعددة؛ التجارة، والتعليم، وإمامة المسجد، والصحافة، والقضاء، ثم انتهى إلى التدريس الجامعي.

موقف شجاع:

وكان الطنطاوي في شبابه مثالاً للرجل العصامي، وكان شديد الثقة في نفسه، وكان صريحاً لا يعرف المجاملة والمداراة، وكان سريع الغضب سريع الرضا، ملولاً لا يكاد يصبر على طعام واحد، ثم هدهدت الأيام من غَربه، وزادته حكمة ورصانة، لكن بعض ملامح شبابه ظلت كامنة كالجمر تحت الرَّماد، حتى أصبح مثل صديق ابن المقفع الذي قال فيه: "وكان يُرى متضاعفاً مُستَضعفاً، فإذا جد الجِد فهو الليث عادياً".

ذلك أن خصلة الشجاعة والجرأة لم تفارق الطنطاوي في حياته كلها، وكانت هذه الشجاعة أجلى ما تكون أمام الحكام، حينما يرى جَوراً في الحكم، أو انحرافاً عن جادة الدين والخلق، ومواقفه في ذلك مشهودة ومشهورة أمام أديب الشيشكلي - الحاكم العسكري في سورية - وأمام الحسيني - قائد الشرطة فيها - وأمام السراج - رئيس المخابرات في أيام الوَحدة بين سورية ومصر - وأمام كمال الدين حسين - عضو قيادة الثورة ووزير المعارف في أيام الوحدة - ولنستمع إلى قوله في مقابلته له مع وفد من العلماء: "نحن ما جئنا من أجل الرواتب، ولكن جئنا مدافعين عن الدين وعن الأخلاق، ومطالبين بالإصلاح. هل تعلم سيادتكم أننا لسنا هنا أحراراً، كل واحد منا مراقب، يبعث إليه من يحصي عليه حركاته وسكناته، فكيف نعيش مطمئنين آمنين ألا تصيبنا جائحة؟! حتى أنت، إنَّ معك اثنين يراقبانك، ويرفعان عنك تقريراً بكل ما تقول أو تفعل، وهذا التقرير لا يرفع إلى سيادة الرئيس، بل إلى رب الرئيس ورب العالمين، يعلن على رؤوس الأشهاد يوم المعاد، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا وزارة ولا رياسة، فأرجو ألا تهيئ جواباً يرضينا الآن، بل تُعِد الجواب لرب العالمين يوم الحساب" [8] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftn8).

مواقف طريفة:

وكان أكره شيء إلى الطنطاوي النفاق والمراءاة بين الناس، وكان الشيخ يكره الغرور والادعاء، وله في ذلك مواقف طريفة، نذكر منها قوله: "ولقد وقعت لي في هذه الكشوف - كشوف القضاء - حوادث طريفة فيها تسلية للقارئ؛ منها أننا ذهبنا يوماً إلى كشف على مسكن، في طرَف دمشق، وكان معي في السيارة كاتب المحكمة، والزوجة وزوجها، فلما وصلنا، جاء عسكري قريب للزوجة، فأراد أن يتدخل فمنعته، وكان للعسكري أيام الفرنسيين بعض الرهبة في قلوب الناس، فلما ابتعدنا راجعين قال الزوج: أنا سكت عنه إكراماً لكَ - أي لي أنا - ولولاك (لمصعت) رقبته. فقلت للسائق: قف، فوقف، وقلت للزوج: أنا لم أر في عمري رجلاً (يمصع) رقبة آخر، وأحب أن أرى هذا المشهد، ولا يضرني أن أنتظر، فسأدعوه لك حتى تصنع به ما تريد، وفتحت نافذة السيارة ومددت رأسي فناديت العسكري.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير