تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهنالك تبخرت حماسة هذا الرجل، وضاعت جرأته، وهربت شجاعته، وجعل يقول: أرجوك، أرجوك يا سيدي. أُقبِّل يدك. سامحني، لا توقعني معه في ورطة، وأنا ساكت لا أقول شيئاً، حتى وصل العسكري، وصار لون وجه الرجل بلون قشرة الليمون، فقلت للعسكري: يبدو عليك أنك رجل خير، ومن يعمل خيراً يكافئه الله. فاذهب وحاول أن تصلح بينهما، أو الحقنا إلى المحكمة؛ لعلك توفق بإقناع قريبتك وزوجها لإزالة الخلاف بينهما، ولحقنا وتم الصلح بينهما. أما الرجل فما صدق أنه خلص من هذه الورطة، وأحسب أنه لم يعد إلى هذه العنترية الفارغة. والعوام عندنا في الشام يقولون: إن من يهدد لا يفعل، والذي يفعل حقيقة لا يهدد" [9] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftn9).

درس في التواضع:

وكان الطنطاوي على ما كان له من شأن، وما بلغ من مكانة شديد التواضع، وإن كان شديد الصلف أمام أهل الغرور والتكبر، وقد بلغ من تواضعه أنه كان يذكر أخطاءه في بعض المواقف في أثناء ذكرياته، كما كان تواضعه يدفعه إلى الاعتراف بالخطأ أمام طلابه، لا يَعُد ذلك منقصة في شخصه، ولا نيلاً من كرامته، ومن ذلك قوله: "وقد وقع لي أول قدومي مكة المكرمة أن جاء ذكر حكم فقهي في مسألة من المسائل في مذهب الإمام أحمد، فذكرت ما أعرفه، فقال طالب من الطلاب: إن الحكم في المذهب على غير هذا، فقلت له: درست الفقه في المدرسة المتوسطة، ثم في الثانوية وأنت لم تتعلم بعد حكم هذه المسألة، وأطلت لساني عليه، وكان مهذباً فسكت، فلما رحت إلى الدار، رجعت إلى كتب الفقه، فإذا الذي قاله الطالب هو الصواب، أفتدرون ماذا صنعت؟!. جئت من الغد فقلت للطلاب، سمعتم بالأمس ما قلته لأخيكم، وقد تبين لي أن الحق معه، وأنني أنا المخطئ؛ لذلك أعتذر إليه أمامكم، أعتذر إليه مرتين: مرة لأني خطَّأته وهو المصيب، ومرة لأنني خالفت أخلاق العلماء، فأطلت لساني عليه، وظلمته بما أسأت به إليه.

وقد كان درساً عملياً أفاد الطلاب أكثر مما تفيدهم الدروس النظرية التي ألقيها عليهم" [10] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftn10).

قوة في الحق:

وكان الشيخ الطنطاوي على ميله للفكاهة، وعلى ما يتمتع به من خفة الروح في مقدمة العلماء التزاماً بالإسلام، وتخلقاً بآدابه، وكان في حقيقته شديد التقوى لله، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا سطوة غاشم، وكانت التقوى لله تجعله أحياناً كالأسد في جرأته وإقدامه، وتجعله أحياناً أخرى من أرق الناس قلباً ومن أكثرهم خشية لله، وتواضعاً له، وكان عندما يخطب في الناس ينقل إليهم ما يشعر به في قلبه، بل في كِيانه كله فيكون من ذلك مشاركة وجدانية وتأثير عميق في الجماهير التي تستمع إليه.

قصة الاستسقاء:

ولننظر شاهداً عما قلناه هنا في قصة الاستقساء التي حدثت في دمشق سنة 1380هـ/ 1960م وسوف نقتطف شذرات مما جاء في حديثه عن هذه القصة، ومما قاله في خطبته يوم الاستسقاء.

قال الشيخ الطنطاوي: "مر الشتاء كله، ولم تنزل الأمطار، بل لقد تجرأ واحد من الحكام يومئذ فقال في خطبة له ألقاها: "إننا سنتخذ من (التكنولوجيا) وسائل جديدة تغنينا عن استجداء السحاب، وانتظار المطر. وكانت كلمة فاجرة من عبد ضعيف مدع لا يستطيع إذا حبس الله الغيث أن ينزله، ولا إذا غيض الله العيون أن يفيضها، ولا يملك لنفسه، فضلاً عن أن يملك لغيره نفعاً ولا ضراً".

ودعا العلماء أهل دمشق إلى صلاة الاستسقاء في سفح جبل قاسيون. وقال الشيخ يصف ذلك بقوله: "غص السفح كله بالناس كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء، وصلينا صلاة الاستسقاء، ثم قمت بعدها، فخطبت خطبة لم أتعمد فيها بلاغة اللفظ، ولم أنظر فيها إلى عمق التأثير، ولم أطلب إعجاب الناس، بل لقد حاولت بمقدار ما استطعت أن أنساهم، وأن أوجه قلبي كله لله، ثم تكلم السيد مكي الكتاني - رحمه الله - فكان كلامه أعظم من كلامي؛ لأنه كان من أرباب القلوب، وإن لم يكن من كبار العلماء. فبلغ كلامه من نفوس الناس ما لم يبلغ كلامي، وسيطرت على الجميع عاطفة إيمانية عجيبة، ليست من صنعي ولا من صنعه، ولم تكن لخطبته ولا لخطبتي، ولكنها نفحة من نفحات الله، فلم تكن تسمع إلا دعاء مختلطاً بنشيج، وبكاء يخالطه دعاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير