وكانت ساعةً ما وجدت في حياتي مثلها إلا مرات معدودات في التسع والسبعين سنة التي عشتها، كانت القلوب كمدخرات (بطاريات) فارغة.
فشحنها هذا الموقف بالطاقة شحناً كاملاً، لقد أحسسنا المذلة أمام الله، فجعلنا نُحس العزة بالله، لم نعد نرجو في تلك الساعة غيره، ولا نخاف غيره، ولا نتوجه إلا إليه، ولا نطلب إلا منه".
ورجعنا بنفوس غير التي جئنا بها، ومرت الجمعة، ومر السبت والأحد والاثنين والسماء على حالها، زرقاء ما فيها مزنة سحاب، والمستهزئون يتكلمون، والشامتون لا يسكتون، فلما كان يوم الأربعاء بعد خمسة أيام من صلاة الاستسقاء قال الكريم: خذوا. وكان غيث عام استمر إلى يوم الجمعة" [11] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftn11).
دعوة بظهر الغيب:
ولعل خير ما نختم به مقالنا عن الشيخ الطنطاوي أن نورد قبساً من مناجاته لنفسه ومناجاته لربه، فهو يقول في واقعية مؤثرة ومكاشفة صادقة: "إني من ستين سنة، أعلم وأكتب وأخطب وأحدث. اللهم لا أدعي أن ذلك كله، كان خالصاً لوجهك، وليْتَه كان، ولكني بشر أطلب ما يطلبه البشر من المال الحلال ويسرني المديح، وتستهويني متع الدنيا، فهل يضيع ذلك جهدي كله؟ هل أخرج فارغ اليدين لم أنل شيئاً من الثواب؟ إني لأمتحن نفسي أسائلها كل يوم، هل كانت الدنيا وحدها هَمِّي؟ لو عرض علي أضعاف ما آخذه الآن على مقالاتي وكتبي وأحاديثي، على أن أجعلها كلها كتباً ومقالات وأحاديث في الدعوة إلى الكفر. هل كنت أرضى؟ فليست إذن كلها للدنيا، كما أنها ليست مبرأة من مطالب الدنيا.
قلت لكم: إني أفكر في الموت، وأعرف أني على عتباته، إنه يمكن أن أعيش عشرين سنة أخرى كما عاش بعض مشايخي، وكما يعيش اليوم ناس من معارفي، ولكن هل ينجيني ذلك من الموت؟! فما الذي أعددته للقاء ربي؟! اللهم إني ما أعددت إلا توحيداً خالصاً خالياً من الشرك، وإني ما عبدت غيرك، ولا وجهت شيئاً مما يُعَد عبادة إلى سواك، وإني أرجو مغفرتك، وأخشى عواقب ذنبي. فاللهم ارحمني واغفر لي" [12] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftn12).
ويقول في مناجاة أخرى لله يختمها بطلب الدعاء من القراء: "يا رب أيقظ قلوبنا، لنتوب فتغفر لنا، فإني امرؤ قسا قلبه، حتى لتمر به المواعظ فلا يتعظ، ويمر هو بالعبر فلا يعتبر، وقد صرت على أبواب القبر، قد جاوزت الثمانين، فيا ربي متى يستقيظ ضميري، وينتبه إيماني، فأعود إليك ولا مفر من العودة إليك؟!
فيا أحبائي القراء، أسألكم الدعاء، فما لي عمل أقبل به على الله إلا رجائي بكرمه، ثم بدعائكم لي - إن كنتم تحبونني - بظهر الغيب" [13] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftn13).
اللهم ارحم شيخنا وأديبنا الطنطاوي كفاء ما قدم للإسلام ولأمه الإسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref1) ذكريات الشيخ على الطنطاوي 2/ 206.
[2] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref2) السابق 4/ 303.
[3] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref3) السابق 2/ 289.
[4] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref4) السابق 3/ 315.
[5] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref5) السابق 8/ 335.
[6] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref6) السابق 8/ 115.
[7] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref7) السابق 8/ 81.
[8] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref8) السابق 8/ 397.
[9] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref9) السابق 6/ 384.
[10] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref10) السابق 8/ 240.
[11] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref11) السابق 6/ 35.
[12] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref12) السابق 7/ 293.
[13] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=1655#_ftnref13) السابق 8/ 86.
¥