ـ[أبو علي الطيبي]ــــــــ[01 - 12 - 07, 12:51 ص]ـ
جزاك الله خيرا يا أخي الكريم أبا زارع
ولأن "الشجى يبعث الشجى" .. فإني أحببت أن أفتح على قراء موضوعك الجميل بابا آخر لمعرفه الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله؛ بأن يقرؤوا مقالا سطَّره تلميذه وابنه وصهره الداعية الإسلامي الكبير، الأستاذ الأديب البارع والشاعر الرائع "القوي الأمين" -كما كان يسميه الشيخ ابن باز- فضيلة الشيخ أبو أيمن عصام العطار؛
نشرت مجلة الرائد في العدد 212/ جمادى الأولى 1420؛ 9/ 1999:
أنا .. وعلي الطنطاوي
بقلم الأستاذ عصام العطار
سمعت الطنطاوي وسمعت به أول مرة في الجامع الأموي في دمشق وأنا في نحو الثامنة من العمر
مات من كان يلقبونه بالمحدِّث الأكبر في الشام: الشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله تعالى، فسعتْ دمشق إلى الجامع الأمويّ، وسعينا مع الناس، وكنا تلاميذَ صغاراً في مدرسة ابتدائية تُدعى «مدرسة الحبّال» أغلقت في ذلك اليوم أبوابها كما أغلقت دمشقُ أسواقها للمشاركة في تشييع العالم الجليل
واكتظّ الجامعُ الأموي بالألوف بل بعشرات الألوف من الناس الذاهلين أو الباكين أوالمهللين المكبرين، وارتفع من أعماق المسجد، من على منبره، صوتٌ قوي مؤثر، دون مكبّر، وصل إلى جميع المسامع، فسكن الناس بعض السكون، وأنصتوا لكلام الخطيب الذي تحدّث – كما لا أزال أتذكر – عن فداحة المصاب بالمحدّث الأكبر: الشيخ بدر الدين، وفداحة المصاب بالعلماء الأعلام عندما يموت العلماء الأعلام، فنفذ إلى قلوب الناس ومشاعرهم، بصدقه وعلمه وبلاغته، وجمال إلقائه وصفاء صوته وقوته، وحرّكها كما يريد
وسألت:
* من هذا الخطيب؟
قالوا:
* إنه الشيخ علي الطنطاوي
وعلمتُ من بعد أن علماء البلاد الكبار هم الذين اختاروه وقدموه لهذا الموقف
كان ذلك في سنة 1935م وله من العمر زهاء ستٍّ وعشرين سنة
* * *
في الثانية عشرة من عمري عرفت «مجلة الرسالة» التي كان أصدرها أحمد حسن الزيات في القاهرة سنة 1933م، وكان يكتب فيها شيوخ الأدب ورُوّاده الكبار، واشتريت بعض أعدادها القديمة من إحدى المكتبات، فقرأت فيها الرافعي والزيات والمازني وطه حسين وأحمد أمين، وعباس محمود العقاد بعْدَ وفاة الرافعي .. رحمهم الله جميعاً
وفي مجلة الرسالة قرأت علي الطنطاوي، وأعجبت به وبما قرأته له
أعجبتُ بروحه العربية والإسلامية الصافية، وحماسته الصادقة للدين والفضيلة والمثُل العليا، وحربِه المستعرة على الفرنسيين والإنجليز والغزو الثقافي والفكريّ، وانتصاِره للعرب والمسلمين المستضعفين في كل مكان، ودفاعه عن حقوق شعوبنا وأبنائها المضطهدين أوالمستغَلِّين أو المحرومين .. وأُعجبت بما كان يجلوه على قُرّائه من صور تاريخنا العربي والإسلامي المشرق التي تبهرُ العقول، وتحرك النفوس، وتحفزها إلى رفض الواقع والحاضر الحقير، والسموّ بالمطامحِ والمشاعر، والأفكار والمآمل، والعلم والعمل، إلى واقع أسمى، ومستقبل أفضل
كلُّ ذلك بأسلوب جَزْلٍ سليمٍ جميلٍ رائعِ التصوير، بارع التعبير، وإن شابَهُ أحياناً شيء من المبالغة والتطويل
وما زال أسلوب علي الطنطاوي يبتعد عن المبالغة والتكلف، ويغلب عليه القَصدُ والصِّدق والطَّبْعُ، حتى غدا هو الطنطاويَّ نفسَه بلا زيادة ولا نقصان، فإذا قرأتَ الطنطاويّ، رأيتَه من خلال سطوره وكلماته كما هو في واقع الحياة، وهذه مرتبة لا يبلغها إلا الأُصلاءُ البُلغاء المتميّزونَ من أمراء البيان
وإذا أردت يا قارئي أن تعرف ما هو «السهل الممتنع» حقيقةً لا وصفاً، فاقرأ علي الطنطاوي أو اسمعه، فأسلوبه هو السهل الممتنع في صورة من أندر صوره، في سهولته وسلاسته، وسلامته وبلاغته، وسحره وحلاوته، ودقته المدهشة في التصوير والتعبير، وقدرته الفائقة على تيسير العسير، وتقريب البعيد، والوصول بالأفكار والمشاعر، والحقائق والمعارف، بطريقة بسيطة مفهومة محكمة محببة، إلى الكبير والصغير، والمرأة والرجل، والمتعلم والعامي، من مختلف طبقات الناس
¥