تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الخليفة؟ لم يلتفت إلى هذا التقرير ولا أعطى رجال الأمن هذه الأهمية ولا اعتبر أن تقريرهم هو القول الفصل في شأن الإمام أحمد ولا في غيره , بل قال قولةً مدوية صريحة , قال: "والله لو نشر المعتصم - يعني أخرج من قبره بعدما مات - وكلمني في الإمام أحمد ما قبلت منه شيئا. الإمام أحمد له من قلبي مكانة رفيعة، لا أقبل فيه قول قائل".

ما سكتت الوشايات عند هذا الحد , فقد جاءه رجل من المغرضين وقال له: إن أحمد وإن كان يتظاهر بالدين والصلاح والعلم والفقه إلا أن الأمر بخلاف ذلك. قال له: ما الخطب؟ قال له صاحب التقرير الأمني الثاني: (إن أحمد يخطط لقلب نظام الحكم ويسعى إلى الوصول إلى السلطة وأن هناك وثائق تدل على ذلك!!) ما هي الوثائق؟! يقول التقرير الأمني الذي ذكره غير واحد من المؤرخين، قال له: (إن الإمام أحمد قد آوى بعض العلويين من نسل علي بن أبي طالب في بيته وأنه يُبايَع له في السر)! إذا نحن أمام دعوة عريضة تعتمد على أمر موجود في بيت الإمام أحمد، رجل علوي يبايع له بالسر بالخلافة. فحينئذ أصاب الخليفة ما أصابه لأن هذا تقرير أمني يفترض أنه مبني على حقائق ومعلومات ودراسات، وليس على تخمين أو ظن، ولهذا فوجئ أحمد وأهل بيته وجيرانه وإذا بمنزله يُحاصر في ساعة متأخرة من الليل - أو ساعة متقدمة من الليل - فلم يشعر إلا والمشاعل والمصابيح تضاءُ على منزله ومنازل الجيران أيضا من أجل ضمان أن لا يتسلل أحد من المنزل , وتحيط بالدار فرق التفتيش والدوريات وقوات الطوارئ وغيرها وإذا الناس والأجهزة الأمنية حتى من فوق السطوح .. فماذا وجدوا؟ انظروا البساطة: أحمد رحمه الله جالس القرفصاء وعنده زوجته وأولاده وهم يتناولون طعام العشاء بكل هدوء وبكل بساطة مع الأولاد في جلسة عائلية. فوجئ الإمام رحمه الله بذلك: ما القصة؟ قالوا: عندك رجل علوي. قال: فتشوا. ففتشوا كل شيء حتى خزائن الكتب والمطبخ وغيرها فما وجدوا شيئا، فسألوه. قال: والله ما عندي من هذا علم وليس من هذا شيء ولا مثل هذا في نيتي وإنما هذا كذب علىٍّ ... فعرف الخليفة أن الناس يكذبون عليه فلم يعد يقبل فيه كلاما بعد ذلك.

هذه هي الفتنة وهذه هي مجرياتها وأحداثها .. ولكن ما هي العبرة منها؟.

أول هذه العبر: أن الإمام أحمد رحمه الله قام بفرض الكفاية وكان موقفه الفريد هو الذي أثبت الخيرية المستمرة لهذه الأمة وأنه لا يزال فيها من يأمر بالقسط والعدل ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويقوم بالحق لا يخاف في الله تعالى لومة لائم، ولو لم يوجد الإمام أحمد لكان معنى ذلك أن الأمة كلها طأطأت رأسها وأذعنت وخفضت ظهرها للفتنة وأقرت بالباطل , ولكن يأبى الله تعالى إلا أن يوجد في كل زمان ومكان من يقوم بحجة الله تعالى على عباده ويبلغ دين الله ويصبر في ذلك ويصابر. ولهذا لما ذكر علي بن شعيب حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قصة خباب رضي الله عنه: (إن الرجل ممن كان قبلكم يؤتى به يحفر له في الأرض فيوضع فيها ويؤتى بالمنشار فيوضع على مفرق رأسه حتى يشق نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه من عصب ما يصده ذلك عن دينه) , فقال علي بن شعيب: "والله لولا أن الإمام أحمد قام بهذا الشأن لكان عارا علينا إلى يوم القيامة أن قوما سبكوا فلم يخرج منهم أحد". يقول: لو ما وجد أحمد بن حنبل لكان معنى هذا أن الأمة كلها ليس فيها واحد يثبت للفتنة ويصبر ويقف في وجه الرياح العاتية لكن الله تعالى رحم هذه الأمة بالإمام أحمد. ولهذا قالوا: لو كان الإمام أحمد في بني إسرائيل لكتبت له سيرة. وأقول:كان الإمام أحمد في هذه الأمة وإنه لو كان في بني إسرائيل لكتبت له سيره واحدة أما لأنه من هذه الأمة فقد كتب له مئات السير , فقد ترجم له في مجلدات خاصة , كما صنف في ذلك ابن الجوزي والبيهقي، وكما كتب في ذلك جمع من أهل العلم وعلى كلامهم اعتمدت: كما فعل الذهبي في سير أعلام النبلاء، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وكما فعل ابن كثير في البداية والنهاية، وكما فعل جماعة من المؤرخين المعتمدين. وكذلك المحدثون كما فعل ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل، وغيرهم كثيرٌ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير