تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العبرة الثانية: أن الإمام أحمد قام بالشهادة لله تعالى. إن الذين كانوا على مثل مذهبه ويقولون بما يقول كثير بل هم أكثر العلماء والمحدثين والفقهاء , كانوا يقولون مثل قوله: القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق , منه بدأ وإليه يعود , ولكن الذي ثبت وأعلن هذا المذهب وأصر عليه وأوذي في سبيله هو رجل واحد فقط وهو الإمام أحمد , ولهذا عُرف المذهب باسمه ونسب إليه وإن كان الجميع يقولون بقوله. إن الإمام أحمد لم يرض مسلك التأويل والتورية والمداراة بظاهر القول , فإن من أهل العلم مثلا من أجابهم إلى ما قولوا تقية فقال لهم ما يريدون على سبيل التخلص من أذاهم، بل قيل إن من أهل العلم من قال القرآن والإنجيل والتوراة والزبور والصحف هذه مخلوقة، وأشار إلى يديه - يعني اليد مخلوقة ولا يقصد هذه الكتب - فتخلصوا من ذلك. أما الإمام أحمد فما رضي بالمداهنة ولا بالتورية ولا بأسلوب اللف والدوران بل قالها واضحة صريحة ولو غضبت لها أنوف ولو انزعجت لها بلاطات الخلفاء ولو أرعدت لها قواتهم ولو أجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم.

إنه صبر حتى أعز الله تعالى به الدين حتى قال على بن المدينى: إن الله تعالى أعز هذا الدين برجلين بأبي بكر رضى الله عنه يوم الردة وبأحمد بن حنبل يوم المحنة. فهو مجدد لهذا الدين , والتجديد موقف صلب تتحطم عليه المحدثات وتنتهي عنده الانحرافات , أي تجديد للدين أعظم من أن يصبر الإمام أحمد عشر سنوات أو عشرين سنة فتعود الدولة إلى مذهب أهل السنة والجماعة ويعود الناس إلى هذا المذهب ويصبح هو المذهب المتبوع المقرر الرسمي الذي يدين به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها؟! إن أبا بكر رضى الله عنه جدد دين الإسلام بعدما كادت الردة أن تكتسح جزيرة العرب ولم يكن لأبي بكر إلا أنه وقف ذلك الموقف العظيم لما قال الصحابة: يا أمير المؤمنين الجزيرة كلها رمتنا على قوس واحدة الناس كلهم ارتدوا ونخشى أن تقتحم المدينة نفسها عاصمة الإسلام فلو تركنا الذين منعوا الزكاة وصبرنا عليهم وبدأنا بالمرتدين الكبار , فلم يرض أبو بكر رضي الله عنه ولا داهن وإنما قال: والله لو جرّت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين في المدينة ما فرقت من هؤلاءِ وهؤلاء، إن الله تعالى ما فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالا - أو عناقا - كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها. قال عمر والله ما هو إلا أن رأيت أن الله تعالى شرح صدر أبا بكر رضى الله عنه لهذا حتى علمت أنه الحق.

إذا الإمام أحمد كان مجددا لهذا الدين بذلك الموقف العظيم الذي تحطمت عنده المحدثات والبدع والانحرافات , إن ثقة الناس بالدعوة - أي دعوة - تكون بقدر ثقة الداعية بها ويقينه بصحتها وتضحيته من أجلها , قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} إذا بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. وكان الإمام أحمد نموذجا فقد كان مؤمنا بآيات الله عز وجل ما داخله شك ولا ريب ولا تردد في صحة وصواب ما يدين به وما يعتقده ولم يزده البلاء والعذاب إلا يقينا على يقينه وإيمانا على إيمانه {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} , {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} , إذا البلاء زاده إيمانا وزاده تسليما وزاده صبرا ويقينا، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. وأيضا كان صبورا جُلد وخلع ظهره وأوجع وأوذي ومات وهو يتألم من أثر الجراح وأثر الجلد وأثر السياط، فما صده ذلك عن دينه وما تراجع وما فكر وما قال أعطوني فرصة أشاور ولا قال أريد أن أستخير، كانت كلمته واحدة "هاتوا لي دليلا من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك" , ولهذا خُلّد ذكره ولهذا كان إماما حتى كان العلماء في وقته وفي زمنه ممن يكبرونه سنا وممن جلسوا وقعدوا للتدريس والتعليم والتحديث قبله كانوا يقولون: "أحمد إمامنا وسيدنا وهو حجة بيننا وبين الله تعالى" كما قال على بن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير