المديني ويحيى بن معين وغيرهم من أهل العلم. بل قال قتيبه بن سعيد: "الإمام أحمد هو إمام الدنيا" ولذلك اهتموا به ونقلوا هديه وعلمه وأعماله وأحواله وأقواله وسائر أموره،حتى نقلوا عنه الدقائق والتفاصيل التي تتعجبون من نقلها، بل أقول بكل طمأنينة إن أهل الكتاب لا يعرفون عن أنبيائهم مثل ما نعرف نحن المسلمين عن عالم من علمائنا كالإمام أحمد رحمه الله تعالى.
كان إماما مجددا صالحا قدوة حجة بين الناس وبين الله عز وجل، ولو رضي بالتأويل والمدارة والتماس المعاذير والتورية لنجا من ذلك كله , ولكن لو نجا من ذلك كله لخمد ذكره وما كان له مقام يذكر فضلا عن نقص الأجور في الدار الآخرة , ولهذا كان الكثيرون يقولون كما قال البشر بن الحارث وعلي بن المديني ويحي وغيرهم يقولون: تريدون منا أن نقوم مثل ما قام الإمام أحمد؟!. إن أحمد قام مقام الأنبياء - أي وقف موقف صدق يشبه ما كان عليه الأنبياء عليهم سلام الله تعالى -.
النقطة الثالثة: ثبت الإمام أحمد في المحنه فكان هو نفسه المحنة. كيف؟ كان العلماء في عصره يسعون إلى لقياه وإلى النظر إليه وإلى القعود بين يديه. قال المقرئ: رأيت علماءنا مثل الهيثم بن خارجة ومصعب الزبيري (وعد خلقاً فيما لا أحصيهم من أهل العلم والفقه) رأيتهم يعظمون الإمام أحمد ويبجلونه ويجلونه ويوقرونه ويقصدونه للسلام عليه. وقال أبو حاتم - رحمه الله -: إذا رأيتم الرجل يحب أحمد فاعلموا أنه صاحب سنة. فصار الإمام أحمد رمزاً من رموز السنة ما يحبه إنسان إلا لأنه يحب دينه ويحب عقيدته ويحب مذهبه ويحب صبره ويحب ما كان عليه، وبالمقابل قال الغلاس: إذا رأيتم الرجل يقع في أحمد ويغتابه ويسبه ويبغضه فاعلموا أنه مبتدع .. لأنه لا يبغض أحمد إلا لمحاربته لدينه ومسلكه ومذهبه وما كان عليه. بل قال الهمداني: أحمد بن حنبل محنه يُعَرف به المسلم من الزنديق:
أضحى ابن حنبل محنة مأمونة ~~~~~~ وبحب أحمد يعرف المتمسك
وإذا رأيت لأحمد متنغصا ~~~~~~~~~~ فاعلم بأن ستوره ستهلك
نعم وهكذا يكون الصابرون وما يلقاها إلا الصابرون {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} إن هناك رجالا تجردوا من حظوظ أنفسهم وتخلوا عن دنياهم وترفعوا عن شهواتهم فلم يعد لأنفسهم في أنفسهم نصيب ولم يعد يعنيهم أمر أنفسهم لا في مأكل ولا في مشرب ولا في جاه ولا في عرض , فلا يهمه أن يقع الناس فيه ولا أن ينالوا منه ولا أن يضربوه بالسياط ولا أن يسجنوه، المهم أن ينتصر دين الله تعالى وأن تبقى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأكرمهم الله تعالى وجعلهم رموزا للسنة بها يعرفون وإليها ينسبون فمن أحب أحمد فإنما أحب السنة ومن أبغضه فإنما أبغض السنة.
العبرة الرابعة:بماذا ثبت الإمام أحمد؟ أو: ما هي أسباب ثباته؟
تأملت فرأيت ثلاث أسباب:
أولها: تثبيت الله عز وجل {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيل ا (74) إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} .. ثبته الله تعالى بعونه وتشديده وتأيده:
وإذا لم يكن عون من الله للفتى ~~~~~~~ فأول ما يجني عليه اجتهاده
{وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} , فاتِّجهْ إلى الله تعالى وسَلْ الله واعتصم بالله وتوكل على الله وآمن بالله وسلم إلى الله واعلم أنك لا تنجو بنفسك ولا بقوتك ولا بحولك وإنما بالله تعالى , ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله , وأخبر أنها من كنز تحت العرش. (لا حول ولا قوة إلا بالله): فلا تحول للعبد من معصية إلى طاعة أو من بدعة إلى سنة أو من ضلالة إلى هدى إلا بالله تعالى، ولا قوة للإنسان وصبرا له على طاعة الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصبر على ما يلقاه إلا بعون الله تعالى وتأيده وتسديده. فقل دائما وأبداً لا حول ولا قوة إلا بالله تجد العون والتسديد من الله.
¥