تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عرف الإمام أحمد ورآه بعينه؟! أبدا أنا سامحتك ولا أخذ منك شيئا. فكانوا يعظمون حتى من لقي أحمد أو أحبه أو أخذ عنه أو كتب عنه الحديث , وهذه بعض آثار صبره رحمه الله على المحنة.

النقطة السادسة: فهي زهده وعبادته. ولعل هذا يمت بسبب إلى ما سبق، فلم يكن يصبر ويصابر لولا أنه كان يستمد هذا من عبادته لله تعالى , قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا} قال عبدالله ابن الإمام أحمد: كان والدي ساعة يصلي العشاء ينام نومة خفيفة ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو على رغم كبر سنه وبعدما جاوز السبعين من عمره، وكان يقرأ في كل يوم سُبع القرآن فيختم القرآن في كل أسبوع وربما ختم القرآن في كل أسبوع مرتين , وكان يكثر من الصيام ويسرده وربما صام وهو في السجن وربما صام وهو يجلد وربما ضعف كثيرا حتى كاد أن يغمي عليه وهو مع ذلك مصرٌّ على الصيام حتى قرب وفاته رحمه الله تعالى. ولما اشتد مرض الإمام أحمد بعث إليه الخليفة بابن ماسويه الطبيب، فنظر إلى الإمام أحمد ورجع إلى الخليفة وقال له: يا أمير المؤمنين , أحمد ليست به عله في بدنه إنما هذا من قلة الطعام وكثرة الصيام، وكثرة العبادة. فسكت المتوكل عن ذلك.

هذا جانب من عبادته وقربه إلى الله تعالى.

ثم إنه كان معرضا عن الدنيا ومباهجها وزخرفها. قال بعض المؤرخين عرض الشافعي على الإمام أحمد أن يتولى القضاء في اليمن فأبى وقال للشافعي: أنت تعلم أنني أتعلم منك العلم المزهد في الدنيا فلا أريد شيئا يبعدني عن الآخرة ويرغبني في الدنيا. والإمام أحمد حينما رفض القضاء رفضه كَسُلَّم إلى الدنيا , أما أن يكون القضاء سببا إلى إصلاح بين الناس وإلى إقامة القسط والعدل وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى قضاء حوائج المسلمين فلا شك أن هذا من أعظم القربات وأجل الطاعات، ولا بد للناس من القضاء ومن القضاة وقد يتعين هذا المنصب على من يكون أهلا له وجديرا به.

كان الإمام أحمد يكره التكلف والتصنع والتزين والتظاهر بالأشياء، ويعرف أن البهرج لا ينطلي على الله تعالى , وأن العبد يعرض على الله تعالى لا تخفى منه خافيه {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} , {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} حتى ثيابكم ونعالكم وملابسكم وأراضيكم خلفتموها وراء ظهوركم! ليس معكم شيئا أنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلاً {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح. فكان الإمام يتعامل مع الله تعالى، ويراقب الله، ويخاف من الله، فلا يتظاهر بشيء. قال أبو حاتم: إذا رأيت أحمد تعلم أنه لا يظهر النسك , رأيتُ عليه نعلا لا يشبه نعل القراء له رأس كبير (يعني النعل) معقد , وشراك مسبل كأنه اشترى له من السوق (يعني نعلة من نعال الناس) وليس من النعال التي يتميز بها القراء وأحيانا فتيان القراء. وبعض المحدثين وبعض الطلبة قد يكون له سمت خاص وبزة معينة أما أحمد لم يكن كذلك، بل كان كسائر الناس. قال: ورأيت عليه إزارا وجبة. قال أبو محمد ابن أبي حاتم: أراد الإمام أحمد بهذا - والله أعلم - ترك التزين بزي القراء وإزالته عن نفسه لئلا يشتهر به. إذا كان الإمام يكره أن يشتهر بشيء من ذلك. وقال المروزي إذا كان الإمام أحمد في بيته كان خاشعا وكان عامة جلوسه التربع , فإذا كان برّا - يعني في خارج بيته - لم يتبين منه خشوع ولم يكن يتظاهر بذلك لا في مشيته، ولا في ثيابه، ولا في طأطأة رأسه. ولا يتميز بثياب خاصة أو ملابس معينة أو هندام وإنما كان يهتم بالحقائق لا بالمظاهر وبالمعاني لا بالرسوم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير