تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أنواع الجهاد، وجعلوا المجاهرة بكلمة الحقّ في وجوه المنحرفين من أعظم أنواع القربات إلى اللّه تعالى، ولم يتردّدوا في بذل النّصح لهؤلاء فإن أعرضوا عقّبوا عليهم بكلمات قاطعة تليق بمن زاغ عن منهج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم .. وانظر إلى شيخ الإسلام "ابن تيميّة" رحمه اللّه، وهو يردّ على انحرافات "البكري" في كتابه (الرّد على البكري) حيث قال في وصف هذا الأخير بدون مجاملة أو مداهنة:» فإنّه لجهله ليس له خبرة بالأدلّة الشّرعية الّتي تتلقّى منها الأحكام ولا خبرة بأقوال أهل العلم الّذين هم أئمة الإسلام بل يريد أن يتكلّم بنوع مشاركة في فقه وأصول وتصرّف ومسائل كبار بلا معرفة ولا تعرّف «(2) .. وعندما نرى مواقف علمائنا السّلفيين قديما وحديثا في عدم تهاونهم مع أهل الضّلال، يزداد تعجُّبُنا عندما نقرأ كتب الشّيخ "ابن باديس" رحمه اللّه، ونجده يجمع في جمعيته بين هذا وذاك وليس أدلّ على صدق ما أقول من تشجيع "ابن باديس" رحمه اللّه للإباضيّة على الانخراط معه، وهذا التّعاون له خطورته من وجوه عدّة منها:

1. أنّ في مثل هذا التّعاون تهاونا بضلالات الإباضية وفيه تلبيس على النّاس (وخاصّة منهم العوام) في سلامة المنهج الإباضي، وهذه مُغالطة لا تخلو من الخطورة بمكان ..

2. أنّه ليس من هدي علمائنا لا في القديم ولا في الحديث، أن يستهينوا بالخلاف مع أهل الأهواء وخاصّة ذوي العقائد الباطلة ..

3. أنّه لو لم يكن للإباضيّة من انحراف سوى قولهم بخلق القرآن، وعدم رؤية اللّه في الآخرة، وتكفير مرتكب الكبيرة (باعتبارهم إحدى فرق الخوارج) لكفاهم ذلك وِزرا .. ماذا وضلالاتهم عامّة في العقيدة والفقه والحديث وغيرها من الميادين؟! ..

وحتى أثبت للقارئ صدق ما أقول أسوق كلام الشّيخ "ابن باديس" الدّال دلالة واضحة على مجاملته للإباضيّة وعدم تبيينه لانحراف هؤلاء، حيث قال وهو يصف إحدى جولاته إلى مدينة بسكرة ما يلي: (في شعبان الماضي عقدنا رحلة إلى بسكرة النّخيل لتركيز شعبة جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين بها، وزيارة مدرسة الإخاء الّتي أسّست حديثا ـ فلقينا بالمحطّة الشّيخ الأمين العمودي كاتب الجمعيّة ورئيس الشعبة، والشّيخ "محمّد خير الدّين"، والشّيخ "محمّد الطّرابلسي"، والشّيخ "بلقاسم البسكري" المدرّسين بالمدرسة في جمع غفير من فضلاء السّادة البسكريين) (1)، تمّ وصف المدرسة بما يلي:

(من أعظم ما يدخل السّرور على قلب المسلم، أن يرى إخوانه المسلمين يمثّلون معنى الأخوّة الإسلاميّة تمثيلا عمليًا مثل ما شاهدته ببسكرة من مالكيتها وإباضيّتها، فجماعتهم واحدة، ورأيهم واحد وشوراهم في المصالح العامّة واحدة، وما تنطوي عليه القلوب لابدّ أن يظهر على الأقوال والأعمال، فاهتداء السّادة البسكريين ـ مالكيّة وإباضيّة ـ إلى تسميّة مدرستهم بمدرسة الإخاء هو أثر ممّا تنطوي عليه قلوبهم من معنى الأخوّة الصّحيح الّتي ربطها بها الإسلام، ونشاهد روح التّضامن والتّآخي بادية في إدارة المدرسة من الجانبين، وفي التّعليم بها كذلك وفي الأبناء المتعلّمين من المالكيّة والإباضيّة الممتزجين ببعضهم ليشبّوا على ذلك التّآخي وذلك الإتّحاد .. ) (1)، أيّ تَآخٍ وأيّ اتحاد مع القائلين بخلق القرآن والمكفّرين للمسلمين بارتكابهم الكبيرة والمخالفين لطريق السّلف الصّالح في الأصول والفروع؟ .. إنّ هذا الفكر يذكّرنا بفكر "حسن البنّا" رحمه اللّه سواء بسواء، حيث تنصبّ جهوده وجهود أمثاله إلى جمع المسلمين حتّى ولو كان هذا الاجتماع على حساب العقيدة وعلى حساب الدّين كلّه .. لماذا لم يبيّن "ابن باديس" انحرافات الإباضيّة؟ لماذا لم يقل مثلا: أتمنّى لهم العودة إلى منهج السّلف الصّالح في العقائد والتّشريعات؟ لماذا سكت عن هذا كلّه؟ هل انحرافات الإباضيّة عنده ضئيلة؟ هل ترهاتهم وأباطيلهم ليست ذات أهميّة، أين هذا من تدقيقات علمائنا الكبار وجهرهم بأخطاء المُخالفين وعدم السّكوت عليهم مهما كان الثّمن؟ إ نّ قبول أهل الأهواء داخل جماعة يزعم أصحابها أن رئيسها يتبنّى منهج السّلف الصّالح قلبا و قالبا شيء يُعاد فيه النّظر .. ما هي الأعذار الّتي يمكن لنا أن نلتمسها "لابن باديس" في هذا الكلام وسروره باجتماع القلوب والوحدة بين الإباضيّة وغيرهم؟ .. وقد يقول قائل إنّه لا أحد من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير