تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

19. أنّ العصمة من الانحراف والضّلال إنّما هو التّمسّك بالكتاب والسّنة، وأنّ ذلك حكم مستمر إلى يوم القيامة، فلا يجوز التّفريق بين كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم تسليما كثيرا ... «. (1)

هذه الأقوال الرّائعة تبيّن مكانة السّنة في العقائد والأحكام، وأنا أعلم يقينا أنّ مثل هذا الأمر لا يخفى على أمثال الشّيخ "ابن باديس" رحمه اللّه، ولكنّه حقيقة في هذه المرّة ردّ السّنة، و لم يقبل الاستدلال بها باسم النّقطة الثّانية الّتي أسلفتُ ذكرها، وهي حجّة ردّ حديث الآحاد في العقائد وعدم الاعتداد به لأنّه يفيد الظّن ولا يفيد اليقين، وهذه مغالطة تَفُوحُ منها رائحة المعتزلة والأشاعرة ومن كان على شاكلتهم، وتبنّى معتقدهم على الأقل في هذه النّقطة، وإنّ هذا الأمر ليس بالأمر السّهل أو يدخل ضمن اختلاف التّنوّع ولكنّه حقّا يعدّ من اختلاف التّضاد، إذ أنّ أئّمتنا الكبار من القدماء والمعاصرين اتّفقوا على الأخذ بالحديث إذا صحّ» دون تفريق بين ما كان منه خبر آحاد أو تواتر، ما دام أنّه صحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهذا هو الحقّ الّذي لا ريب فيه، والتّفريق بينهما إنّما هو بدعة وفلسفة دخيلة في الإسلام مخالف لما كان عليه السّلف الصّالح والأئمّة المجتهدون «. (1)

فكيف يردّ "ابن باديس" نصوصا صحيحة ورد فيها ذكر خبر والدي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بأنّهما من أهل النّار بزعمه أنّ ذلك يخالف قوله تعالى (وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا)؟ ثمّ يقطع أنّ هذا الخبر حديث آحاد لا يجوز به تخصيص ما ورد في القرآن الكريم، إنّ هذا ولا شك فيه التّأثّر كلّ التّأثّر بمنهج الأشاعرة في الاعتقاد على الأقلّ في هذه المسألة، قال الشّيخ العلاّمة "الألباني" رحمه اللّه مشيرا إلى أصول الخلف الّتي تركت السّنة بسببها ما نصّه:

» فما هي تلك الأصول و القواعد الّتي أقامها الخلف حتّى صرفتهم عن السّنة دراسة واتّباعا؟ وجوابا عن ذلك أقول: يمكن حصرها في الأمور الآتية:

الأوّل: قول بعض علماء الكلام: إنّ حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة .. وصرّح بعض الدّعاة الإسلاميين اليوم بأنّه لا يجوز أخذ العقيدة منه، بل يحرم ..

الثّاني: بعض القواعد الّتي تبنّتها بعض المذاهب المتّبعة في"أصولها" يحضرني منها ما يلي:

أ ـ تقديم القياس على خبر الآحاد (الإعلام1: 327، 300، شرح المنار ص 623).

ب ـ ردّ خبر الآحاد إذا خالف الأصول (الإعلام1: 329، شرح المنار ص 649).

جـ ـ ردّ الحديث المتضمّن حكما زائدا على نص القرآن بدعوى أنّ ذلك نسخ له

والسّنة لا تنسخ القرآن! (شرح المنار ص 647، الأحكام 2: 66).

د ـ تقديم العام على الخاصّ عند التّعارض، أوعدم جواز تخصيص عموم القرآن

بخبر الواحد! (شرح المنار ص 289 ـ 294، إرشاد الفحول ص 138ـ 139 ـ

143 ـ 144).

هـ ـ تقديم عمل أهل المدينة على الحديث الصّحيح.

الثّالث: التقليد واتّخاذه مذهبا ودينا .. «. (1) فتأمل معي أيها القارئ مدى تبنّي الشّيخ "ابن باديس" لأصول المتكلّمين في هذه المسألة، حيث رفض جواز تخصيص عموم القرآن، بخبر الواحد، كما رفض الاستدلال به في أمر عقدي إذ هو متعلّق بأمر غيبي لا يعلمه إلاّ اللّه تعالى، وهو حال والدي النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم في الآخرة أهما من أهل النّار أم من أهل الجنّة، والنّبيّ نفسه صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان ليعلم ذلك، لولا إخبار اللّه تعالى له لأنّه عليه الصّلاة والسّلام (وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى). (2)

فما دام الحديث صحّ عنه صلّى اللّه عليه وسلّم وجب الأخذ به سواء كان من المتواتر أو الآحاد.

أمّا عن تأويل حديث الرّجل الّذي سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن حال أبيه في الآخرة، وقال له الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم» إنّ أبي وأباك في النّار «، وحمل لفظ الأب على العمّ، ثّم شرح ذلك بأنّه لجبر خاطر الرّجل (كما أسلفت ذكره في مؤاخذتي الثالثة على "ابن باديس" رحمه اللّه)، فإنّ هذا التّأويل الفاسد مردود لاعتبارات كثيرة منها:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير