تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1. أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبر الرّجل أنّ أباه في النّار وأب السّائل أيضا في النّار، وليس في كلامه ما يشير من قريب أو من بعيد إلى أنّه يقصد أبا طالب عمّه، لأنّ الرّجل جاء سائلا عن أبيه الّذي مات قبل بعثة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كما دلّت عليه نصوص أخرى مشابهة لهذا الحديث، وأبو طالب أدرك النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ولم يؤمن به رغم مؤازرته العظيمة له، فلكي يبيّن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم للرّجل حالا أخرى تشبه حالة أبيه ذكر والده عبد اللّه، وهذا ليبيّن عدل اللّه عزّ وجلّ وأنّه سبحانه وتعالى يدخل النّاس الّذين آمنوا به وبرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم الجنّة برحمته، ويدخل الكافرين النّار ولو كانوا من أقارب النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولو كان الدّاخل للنّار أباه أو أمّه .. ولا شكّ أنّ الرّجل انجبر خاطره ثقة في عدل اللّه تعالى وثِقة في تبليغ الرّسول الصّادق المصدوق لحال أبيه بأنّه في النّار رغم شدّة ذلك عليه صلّى اللّه عليه وسلّم، والرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم لا يجامل أحدا في دين اللّه ولو كان أقرب النّاس إليه، وإنّما لا يخبر بأمر إلاّ بما أوحى اللّه له وخاصّة مثل هذه المغيبات الّتي لا يعلمها إلاّ خالق السّموات والأرض ..

2. نفرض جدلا أنّ الأمر خاصّ بأبي طالب فماذا يفعل "ابن باديس" وغيره بإخبار النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن حال أمّه؟ كيف سيشرَحُه آنذاك وأيّ تأويل سيجد له؟

3. أنّنا لسنا أرحم من النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم بوالديه، وأنّه عليه الصّلاة والسّلام تمنّى لو أنّ والديه كانا في الجّنة، ولكنّه حاشاه أن يعترض على حكم اللّه العدل سبحانه وتعالى والّذي قضى بإدخال والديه إلى النّار لأنّ اللّه تعالى هو العليم الخبير.

4. أنّ والديّ المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم كافران بلا شكّ، وليسا من أهل الفترة وإنّما كانا كبقية مشركي العرب، ولو كانا مسلمين لّما دخلا النّار خالدين فيها أبدا، لأنّه كان بإمكانهما أن يكونا مثل الّذين كانوا على التّوحيد قبل بعثة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثل ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل، وقسّ بن ساعدة وغيرهم من الّذين كانوا مؤمنين قبل البعثة .. فكان بوسع والدي المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم أن يسعهما ما وسع هؤلاء الثّلاثة الّذين نجوا من عقيدة الشّرك والوثنيّة والخرافة.

5. أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يُقبل منه حتى الاستغفار لأمّه بدليل الحديث الّذي صحّ عن أبي هريرة رضيّ اللّه عنه قال:» زار النّبيّ قبر أمّه، فبكى وأبكى مّن حوله، فقال: استأذنتُ ربّي في أن أستغفر لها، فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنّها تذكّر الموت «(1)، والحديث الثّاني في شأن والدة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم هو: عن بُرَيْدة رضيّ اللّه عنه قال: "كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم [في سفر، و في رواية: في غزوة الفتح]، فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب، فصلّى ركعتين، ثمّ أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخّطاب ففداه بالأب والأمّ، يقول يا رسول اللّه مالَكَ؟ قال: إنّي سألتُ ربّي عزّوجلّ في الاستغفار لأُمّي، فلم يأذنْ لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النّار، [واستأذنت ربّي في زيارتها فأذن لي]، وإنّي كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولْتَزِدْكم زيارتُها خيرا" (1)، فإذا لم يقبل منه الاستغفار لأمّه فكيف تكون أمّه من أهل الفترة والحديث يخبرنا بخلاف ذلك .. وكذلك الحال بالنّسبة لحال والده صلّى اللّه عليه وسلّم في أحاديث أخرى .. وبهذا يُعلم أنّه من الحقّ الّذي ينبغي نشره أنّ المسلم مطالب بالإيمان بأنّ أبويّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في النّارمثلما أخبرنا ابنهما صلّى اللّه عليه وسلّم عنهما رغم أنّه أبرّ النّاس بهما وأكثر النّاس حبّا لهما بدليل أنّه بكى عليه الصّلاة والسّلام لمّا لم يأذن اللّه له في الاستغفار لأمّه، ولذلك أمّتنا ليست بحاجة إلى نسج الأساطير والأحاديث المكذوبة عنه صلّى اللّه عليه وسلّم من أنّ اللّه تعالى سيحي والديّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وسيأمرهما بالشّهادتين وسينطقان بهما فيدخلهما اللّه الجنّة تكريما لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فهذه الخرافات والأحاديث الواهية وأمثالها تنافي الحقّ الّذي نطق به الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في مسألة حال والديه في الآخرة وكان على الشّيخ "ابن باديس" أن يبتعد عن تلك التأويلات العجيبة وأن يجتنب الأصول الخلفيّة في ردّ حديث الآحاد ومنع جواز أن يكون مخصّصا لعموم الآيات القرآنية لأنّ هذه الأفكار ومثيلاتها من ترهات الخلف، وكان عليه أن يلزم منهج السّلف فينجو بذلك من الانحراف في موضوع فصّل فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لصحابته ففهموه منه حقّ الفهم وعلموا أنّ اللّه تعالى يعذّب من يشاء بعدله ويرحم من يشاء بفضله لأنّه تعالى لا يُسأل عمّا يفعل ومن حسن سلامة المعتقد أن نلزم قاعدة التّسليم والاستسلام حتّى ننال رضوان اللّه تعالى فهذه المسألة أخطأ فيها "ابن باديس" رحمه اللّه وليس هناك عذر له في هذا المقام لأنّه علِم الحديث وردّه بحجّة أنّه آحاد وردَ متنه بتأويله تأويلا فاسدا ما ورد عند علمائنا المحققين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير