تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في جواز التّوسّل بذاته وعدم جوازه، فمن أخذ بالوجه الأوّل جوّز ومن أخذ بالثّاني منع .. ) (1)، وبعد عرضه للخلاف بين المجوّزين للتّوسّل في الوجه الأوّل والمانعين له في الوجه الثّاني يواصل الشّيخ "ابن باديس" كلامه سائلا ومجيبا في آن واحد بالطّريقة الآتية:

(سؤال: فإن قلت قد عرفنا القولين وعرفنا مدركهما فما هو الرّاجح عندك منهما؟

جوابه: الرّاجح هو الوجه الأوّل الّذي يجيز التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نظرا لمقامه العظيم عند ربّه لوجهين، الأوّل: أنّ ذلك هو ظاهر اللّفظ ولا موجب للتّقدير ولا منافاة بين أن يكون في قوله أسألك وأتوجّه إليك بنبّيك وقوله إنّي توجّهت بك قد سأل بذاته، وفي قوله اللّهم شفّعه فيّ قد سأل قبول دعائه له وسؤاله .. والثّاني أنّه لمّا كان جائزا السّؤال من المخلوقين بما له مقام عظيم عندهم فلا مانع من أن يسأل اللّه تعالى بنبيّه بحسب مقامه العظيم عنده) (2) .. ثمّ يبيّن "ابن باديس" موقف الصّحابة من التّوسّل بطريقة السّؤال والجواب فيقول:

(سؤال آخر: بعدما عرفنا رجحان سؤاله تعالى بالأسماء والصّفات والطّاعات، فهل ثبت عن الصّحابة سؤالهم وتوسّلهم بذاته؟.

جوابه: لم يثبت عن واحد منهم شيء من ذلك فيما لدينا من كتب السّنة المشهورة بل ثبت عدولهم عن ذلك في وقت مقتضٍ له لو كانوا يفعلونه، وذلك في حديث استسقاء عمر بالعبّاس رضيّ اللّه تعالى عنهما. فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أنس: أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطّلب فقال: اللّهم إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا، قال: فيسقون. ومعنى الحديث أنّهم كانوا يتوسّلون بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو لهم في الاستسقاء ويدعون، ثمّ صاروا يتوسّلون بالعباس فيدعو لهم ويدعون، فالتّوسّل هنا قطعا بدعائهما لا بذاتهما .. ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مرجوحية التّوسّل بالذّات: أنّ الصّحابة لم يقولوا في موقفهم ذلك: اللّهم إنّا نتوسّل إليك بنبيّنا أيّ بذاته ومقامه، بل عدلوا عن ذلك إلى التّوسّل بالعبّاس يدعو لهم ويدعون كما كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يفعل في الاستسقاء، ولقد استدلّ بعضهم بعدول الصّحابة عن التّوسل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذا المقام على منعه، ونحن لما بيّنا قبل من دليل جوازه إنّما نستدلّ بِعُدولِهم على مرجوحيته). (1)

إذن بيّن الشّيخ "ابن باديس" بكلّ وضوح معتقده في مسألة التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فعرض الخلاف في بداية الأمر، ثمّ رجّح جواز التّوسّل مستدلا بحديث الضّرير المذكور سابقا، ثمّ عرض موقف الصّحابة رضيّ اللّه عنهم وبيّن أنّهم لم يتوسّلوا للّه تعالى أبدا بذات المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم ـ وهذا حقّ لا ريب فيه ـ ثمّ نفى أن يكون فعل الصّحابة رضيّ اللّه عنهم في ردّهم التّوسّل بذات الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ـ دليل على عدم الجواز بل قطع بأنّ في ذلك الفعل الدّليل على عدم استحباب ذلك فقط .. وهذا الّذي أورده الشّيخ "ابن باديس" رحمه اللّه فيه حقّ وفيه باطل، فأمّا الحقّ في كلامه فقوله: بأنّ الصّحابة رضي اللّه عنهم لم يلجأوا إلى التوسّل بالذات الشريفة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولو مرة في حياتهم، وهذا حقّ لا مرية فيه، وأمّا الباطل في كلامه فاستدلاله بحديث الأعمى الضّرير على جواز التّوسّل، وجزمه بأنّ الأعمى توسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قطعه في الأخير بأنّ فعل الصحابة في ترك التوسّل بالذّات إنّما هو دليل على مرجوحيته ومع ذلك أصرّ على جوازه في النّهاية كما أنّه ألحق بجواز التوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جوازا خطيرا والمتمثل في جواز التوسّل بذوات الأولياء والصالحين فقال: (وأنّ التوسّل بذات غيره من أهل المكانة المحقّقة له وجه في القياس) (2) فزاد الطين بلّة كما يقولون، حيث فَسح المجال لمجوزي التوسّل أن يعتقدوا بذلك أنّ المسألة فرعية يجوز فيها الخلاف وليست من المسائل العقدية، مع أنّ الأمر عكس ذلك تماما، فقد سئل الشّيخ العلاّمة "صالح الفوزان" عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السّعودية عن هذه المسألة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير