تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هل هي من المسائل الفرعية أم من المسائل العقدية المهمّة، فكان جوابه كما يلي: (وصلتني رسالتكم الّتي طلبتم فيها الإجابة عن أسئلة في العقيدة وهي أولا: هل التوسّل بالمخلوقين أوحقّهم أو جاههم يعتبر أمرا مبتدعا ووسيلة من وسائل الشرك، والخلاف فيه يعتبر خلافا في مسائل العقيدة لا في مسائل الفروع لأنّ الدعاء أعظم أنواع العبادة ولا يجوز فيه إلاّ ما ورد في الكتاب والسنّة، ولم يرد في الكتاب والسنّة السؤال بالمخلوقين أوحقّهم أوجاههم، وإنّما ورد الأمر بدعاء اللّه مباشرة من غير توسّط بأحد من خلقه ?وقال ربكم ادعوني أستجب لكم?، ?فادعوا اللّه مخلصين له الدين?، وإذا انضاف إلى التوسّل بالمخلوق التقرّب إليه بشيء من القربات كالذّبح له والنذر له فهذا شرك أكبر كما قال تعالى: ? ويعبدون من دون اللّه ما لايضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه? الأية .. ولمّا كان الدّعاء أعظم أنواع العبادة، والعبادة توقيفية فإنّه لا يجوز أن يدعى اللّه سبحانه وتعالى إلاّ بالكيفية الواردة في الكتاب والسنّة، وليس في تلك الكيفية التّوسّل بالمخلوقين أوحقّهم أو جاههم في الدّعاء فيكون بدعة وكلّ بدعة ضلالة .. واللّه أعلم) (1)، وهذا الّذي ذكره الشّيخ "الفوزان" هو نفسه ما تواتر نقله عن جميع علماء المملكة العربية السّعودية الكبار البلد الّذي يعمل علماؤه باليل والنّهار على نشر التّوحيد فمنهم من قضى نحبه كالشّيخين العظيمين الجليلين "ابن باز" و"العثيمين" رحمهما اللّه، ومنهم من لا يزال إلى يومنا هذا واقفا كالطّود الشّامخ في وجوه المبتدعة الّذين أجازوا التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبذات غيره من الصّالحين من باب القياس، فأدخلوا بعملهم هذا شرا كبيرا على العقيدة وخاصّة في مسألة الدّعاء الّذي يعتبر أعظم أنواع العبادة كما أشار إلى ذلك الشّيخ العلاّمة "الفوزان" في جوابه .. لذلك لا يمكن أن نتساهل في مسألة التّوسّل أيضا لأنّها مسألة في غاية الأهميّة كيف لا وهي عقدية محضة؟! أمّا الشّيخ "الألباني" رحمه اللّه فقد ردّ على المستدلين بحديث الضّرير على جواز التوسّل بكلام نفيس أنقله كما ذكره: (يرى المخالفون أنّ هذا الحديث يدلّ على جواز التّوسّل في الدّعاء بجاه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أوغيره من الصّالحين، إذ فيه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم علّم الأعمى أن يتوسّل به في دعائه، وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيرا ..

وأماّ نحن فنرى أنّ هذا الحديث لا حجّة لهم فيه على التّوسّل المختلف فيه، وهو التّوسّل بالذّات، بل هو دليل آخر على النّوع الثّالث من أنواع التّوسّل المشروع الّذي أسلفناه، لأنّ توسّل الأعمى إنّما كان بدعائه والأدلّة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة، وأهمّها:

أوّلا: أنّ الأعمى إنّما جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليدعو له، وذلك قوله: (ادع اللّه أن يعافيني)، فهو قد توسّل إلى اللّه تعالى بدعائه صلّى اللّه عليه وسلّم، لأنّه يعلم أنّ دعاءه صلّى اللّه عليه وسلّم أرجى للقبول عند اللّه بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو جاهه أو حقّه لما كان ثمّة حاجة إلى أن يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ويطلب منه الدّعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربّه بأن يقول مثلا: (اللّهم إنّي أسألك بجاه نبيّك ومنزلته عندك أن تشفيني، وتجعلني بصيرا، ولكنّه لم يفعل، لماذا؟ لأنّه عربيّ يفهم معنى التّوسل في لغة العرب حقّ الفهم، ويعرف أنّه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم المتوسّل به، بل لا بدّ أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصّلاح والعلم بالكتاب والسّنة، وطلب الدّعاء منه له ..

ثانيا: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعده بالدّعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك"، وهذا الأمر الثّاني هو ما أشار إليه صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث الّذي رواه عن ربّه تبارك وتعالى أنّه قال: (إذا ابتليت عبدي بحبيبته ـ أي عينيه ـ فصبر، عوّضته منهما الجنّة) ـ رواه البخاري عن أنس رضيّ اللّه عنه، وهو مخرّج في الصّحيحة (2010).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير